إما الصعود وإما الصعود
قد يعتقد البعض، اننا اليوم امام مفترق طرق حاسم ونهائي، على نحو إما الصعود وإما الهبوط، مع الخيارات الثلاثة للحل السياسي، التي تحدث عنها الرئيس ابو مازن، واتفقت بشأنها القيادة الفلسطينية في اجتماعاتها الاخيرة، ولعل توتر اللحظة الراهنة التي يشتد فيها نزيف الجرح الفلسطيني على اكثر من صعيد، يسمح بمثل هذا الاعتقاد الذي يجانبه الصواب تماما، وبمعنى اخر لعل شدة النزيف وشدة الالم هي التي ترغب في مثل هذه اللحظة، ان تكون الخيارات الثلاثة على هذا القدر من الحسم النهائي أو التراجيدي في تصوراته المعتمة، وينسى من يعتقد هذا الاعتقاد ما قاله محمود دوريش في سفر الملحمة الفلسطينية ( صهيل الخيول على السفح .. إما الصعود وإما الصعود ) وكان العراقي مظفر النواب قال ايضا ( إما فلسطين وإما النار جيلا بعد جيل ) والمعنى ان طريق الحرية الفلسطينية طريق طويلة، وخياراتها لا تقف عند ثلاثة او اربعة او عشرة خيارات، ولا عند اي حد معين، لأن فيضها بلا تخوم، ولأنه قد قضي امر ارادتها بانها عصية على الكسر، ولأن فكرتها راسخة، وفكر اصحابها خلاق ولا يعرف اليأس ولا القنوط، ولأن هدفها هو الصعود، ودائما نحو فلسطين الدولة الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
ما نريد توضيحه بالقول الفصل، ان الخيارت الثلاثة ليست خيارات راديكالية لتضعنا على مفترق طرق حاسم ونهائي، وهي بالقطع ليست خيارات عدمية اذا ما بدا الحسم النهائي في الاتجاه المعاكس لأهدافنا وتطلعاتنا، وانما هي في حقيقتها وواقعيتها خيارات اجتهاد وكفاح متواصل، وما يجعلها او يجعل احدها ممكنا وقابلا للتحقق، صلابة الوحدة الوطنية ورسوخها على قاعدة القرار الوطني المستقل، اضافة الى صلابة الحركة الوطنية بحد ذاتها وتماسك بنياتها التنظيمية بحاضنتها الشعبية على اوسع نطاق، دون ان ننسى اللحمة الاجتماعية التي ينبغي ان تكون على اعلى قدر من التماسك، بعيدا عن مفردات الشرذمة والتقسيم، المناطقية أو العشائرية أو العائلية وغيرها من مفردات التقزيم، التي لا تؤلف شعبا، ولا تحقق وعي الدولة، وبمعنى ادراك ضرورة الدولة، كضرورة وجود وحرية.
ولا شك طبعا ان الموقف العربي المساند في هذا السياق بالغ الضرورة، فالخيارات الفلسطينية الساعية الى تسوية الصراع على اسس عادلة، هي في المحصلة خيارات عربية، او هكذا على النظام العربي ان ينظر اليها، لأن استقرار فلسطين في دولة حرة مستقلة، هو استقرار للمنطقة العربية ودولها، غير اننا نعرف هنا انه طالما ظلت هناك فصائل فلسطينية مرتهنة القرار والارادة، بما صيرها ويصيرها اداة في التجاذبات والصراعات الاقليمية، فان المساندة العربية للخيارات الفلسطينية لن تكون ممكنة على النحو الذي تريده فلسطين، وهنا تكمن مرة اخرى اهمية وضرورة الوحدة الوطنية على قاعدة القرار الوطني المستقل في السلم وفي الحرب .
خياراتنا ممكنة مع الوحدة الوطنية الحقيقية، ومع هذه الوحدة سيكون لنا دائما هذا الشأن في الموقف العربي المساند وحتى الموقف الدولي، ولا شك ان الرئيس ابو مازن وهو يطرح موضوعة هذه الخيارات على هذا النحو المثير للانتباه، فانه يسعى لاوسع حراك سياسي على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي، انها خيارات الخطاب الواقعي، المناهض لطغيان خطاب البلاغة الذي مازال يردد مقولة ذلك العربي، ايام غزوات القبائل وحروبها : اشبعتهم شتما وفازوا بالابل ...!! وبالقطع فان الخطاب الواقعي لا يمكن ان يعدم الخيارات.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير