القمر الذي نراه - محمود ابو الهيجاء
لرام الله قمر مشاغب، تراه مع مطلع المساء، وحتى قبل ان تذهب الشمس الى ضفتها الاخرى، يدور بين البيوت، قرب اسطحها، يلقي لها على ما أظن بعضا من معاني فضته اللعوب، التي تحيل الليل بعد ان يستوي على عرش عتمته، الى هسهسة في المخيلة، من اجل منازلات حميمة مع مشتهيات الروح وتطلعاتها الباذخة، وفي قيظ ايلول الذي ينكسر مع مطلع المساء، يحب قمر رام الله ان يصطحب معه حشدا من الغيمات الواعدات، غيمات تقرأ السلام على اهل المدينة ثم لتذهب بعدها الى قصائدها المعلقة بحبات المطر القادمات بعد قليل.
لكن هذا القمر لا يعرفه الاحتلال ولا يراه، ولا يدرك شيئا من معاني فضته اللعوب، التي تريد ليلا دون هؤلاء الجنود القابعين خلف سواتر الفكرة العنصرية البغيضة والمدججين باسلحتها القاتلة، هذا القمر لا يطيقه الاحتلال ولهذا يواصل محاولاته المحمومة، بعنف الفكرة البغيضة، لنشر الموت واليأس والفوضى في شوارع وحارات حياتنا اليومية، غير ان قمرنا في المقابل يتحدى الاحتلال، بشغبه الجميل ويظل دائرا بين بيوتنا، قريبا من اسطحها لا في رام الله وحدها بل في كل مدن فلسطين وحيث مشروعها للتحرر والحرية والاستقلال، ونظنه في سماء غزة وإن كان مجرحا هناك اليوم، وهو يضيء ركام البيوت المدمرة بحنو فضته، فانه يجعل من ليل غزة ليل تطلع وتحد وامل. ولهذا سوف لا نعرف ابدا ليل اليأس، ولا ليل الهزيمة، لأن لنا قمرا من هذا النوع ولأننا هكذا نراه.