إسرائيل والصدمة - يحيى رباح
نتنياهو وطاقمه الحكومي وأجهزته الأمنية تشعر بالصدمة، ولذلك فإن إسرائيل واجهت الصدمة بأسواْ أنواع الخيارات وهو التوتر، توتر أمني في القدس المحتلة، وأمام سجن عوفر في بيتونيا وأرسلت المجموعات العنصرية الإرهابية المعروفة باسم مجموعات "تدفيع الثمن" إلى القرى الفلسطينية لتخريب سيارات المواطنين، واقتلاع أشجار زيتونهم، وترويعهم من خلال كتابة الشعارات العنصرية الحاقدة على الجدران، كما أرسلت طائراتها إلى قطاع غزة لتقوم بالغارات في الجنوب والوسط والشمال، والاحتمالات تقول ان الأمور قد تصل إلى ما هو أبعد من ذلك.
لماذا هذه الصدمة التي تشعر بها إسرائيل؟ الجواب يتلخص في كلمة واحدة وهي أن السلطة الفلسطينية مارست حقها بالتصرف بندية عالية أمام استمرار الاستهتار الإسرائيلي وأمام الضغف المخجل في الموقف الأميركي.
إسرائيل جاءت إلى المفاوضات في الثلاثين من تموز الماضي على مرجعيات محددة، ولكنها ذهبت بنية إفشال هذه المفاوضات، وفرض مرجعيات جديدة على الفلسطينيين تدار بموجبها هذه المفاوضات لتفريغها من هدفها وتحويلها إلى مجرد غطاء زائف للسلوك الإسرائيلي العدواني، وقد ردت القيادة الفلسطينية بإعلان أنها لن تمدد المفاوضات على هذا الأساس، وهو موقف كان الرئيس أبو مازن قد أبلغه لجميع الأطراف المعنية في العالم وفي مقدمتها الإدارة الأميركية، ولكن إسرائيل من خلال رؤية حكومتها العنصرية ضيقة الأفق لم تكن تصدق ذلك، ولم تكن تعتقد أن الرئيس عباس يستطيع ذلك في ظل الظروف الراهنة، ولكن الرئيس أبو مازن الذي كرس أعلى مستوى من المصداقية بالنسبة لزعيم سياسي قد فعلها أمام الجميع، وهذا هو سبب الصدمة الإسرائيلية، لأن هذه الحكومة تعاني من حالة "السيندروم" أي أنها لا ترى سوى ما هو مرسوم مسبقاً في عقلها ولا تريد أن ترى حقائق الواقع.
وإسرائيل تراجعت بشكل ابتزازي تافه عن اتفاق عقدته مع السلطة الوطنية يقضي بالإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو وعددهم مئة وأربعة أسرى، بقي منهم ثلاثون أسيراً للدفعة الرابعة، وإسرائيل نكثت بهذا الاتفاق، واعتقدت كما هي العادة أنها تفعل فعلتها المشينة دون ردة فعل من الجانب الفلسطيني، وكان الرئيس أبو مازن أبلغ جميع من لهم صلة بأنه في حال تراجعت إسرائيل عن التزاماتها فإنه لن ينفذ ما مطلوب منه، وهو تجميد الذهاب إلى عضوية المنظمات الدولية، جاء موعد الدفعة الرابعة، وماطلت إسرائيل، وعدت تسع مرات ثم رفضت فقام الرئيس أبو مازن وبحضور اجتماع شامل للقيادة بالتوقيع على قرارات الانضمام إلى خمس عشرة منظمة واتفاقية ومعاهدة دولية، وهنا تصاعدت الصدمة الإسرائيلية، وسمعنا فريق نتنياهو المعادي للسلام، والمعادي للحقائق، يلجأ إلى العربدة والتصعيد والتهديدات، فإلى أين تصل الأمور؟
نحن لم نعلن الحرب على إسرائيل، ولم نفعل شيئاً لم نحذر منه من قبل، ولم نتجاوز الحقوق، ولم نخرج عن سقف الشرعية الدولية، ولم نسبب الفشل للإدارة الأميركية بل بذلنا جهداً خارقاً لإنجاح مساعيها، ولكننا لن نصمت صمت الحملان، لن نذهب إلى المذبح دون صراخ، وبما أن الإدارة الأميركية هي الشاهد على كل شيء فسوف نرى كيف تتصرف؟ ونحن نعرف أن حكومة نتنياهو لم تتعود الالتزام بشيء ولكن ذلك لن نرضى به، ولن يستمر إلى الأبد.