يهجم.. ولا نأخذه بالظنون - عدلي صادق
من الخطأ ومن الرعونة، أخذ الناس بالظنون وبالشائعات. فان كان ذلك ذميماً ومضراً في السلوك الاجتماعي؛ فانه ينم عن خفة وعن افلاس، عندما يُعتمد في السياسة. ربما تصلح هذه التوطئة القصيرة، للتعليق على تصريحات هجومية لفتحي حمّاد، مسؤول «داخلية حماس» الذي طالته أقاويل قديمة جديدة، لا نعوّل عليها في التعقيب على ما فاه به. لقد جزم الشخص في هجومه، أن هناك مؤامرة تضطلع بها السلطة الفلسطينية لتشويه المقاومة. وربما كان فتحي حمّاد، يقصد بـ «المقاومة» التي تتعرض لــ «مؤامرة تشويه» ما جرى له هو نفسه. ان ما قيل عنه لم يسرنا، وهو لم يكن من اختلاق أحد من السلطة الفلسطينية أو من «فتح»!
من حيث المبدأ، كنا وما زلنا نرفض منطق التخوين، ولا يسعدنا أن نسمع أن هناك خائنين من عامة الناس، فما بالنا بخائنين من النُخب. فمن يميل الى التخوين، من أي طيف كان، يعكس أزمته وقصر فهمه، ويفيد العدو دون أن يدري. وهناك حالات يمارس فيها موتورون لغة التخوين، لمداراة انفسهم، لكي ينصرف المحيط عن التأمل في سلوكهم الى محاولة ارضائهم فيربحون مرتين، واحدة عندما يموّهون على أنفسهم، وأخرى عندما يجعلون أنفسهم أصحاب جدارة في منح الناس شهادات وطنية. وفي هذه النقطة، يجدر التنويه الى أنني لا أقصد فتحي حمّاد، ولو قصدته لصارحت بذلك. فمن الخطأ أخذ حمّاد أو سواه بالظنون وبالشائعات.
ما يعنينا هنا، هو قول الحقيقة، التي لها جانب فكاهي نبدأ به. فلو كان لدى السلطة خطة لتشويه المقاومة، لوصل الخبر اليقين مفصلاً، من بين صفوف السلطة نفسها، لأن أوراقها مكشوفة واضباراتها شفافة، تُقرأ عناوين أوراقها عبر شاشات التلفزة، وليس لديها ــ بلا مؤاخذة ــ سر، وليت عندها من الباطنية والكتمان وقلب رؤوس الموضوعات وطبع «البوسترات» المحيّرة، بعض ما لدى «حماس» المتكتمة. ونحمد الله (الذي لا يُحمد على مكروه سواه) أن السلطة الوطنية لا تُجيد التكتم. فلو برعت «فتح» في ذلك لوقع الشعب الفلسطيني بين اثنتين من الضرائر، لئيمتين، ما يجعل الوفاق بينهما عسيراً. وعليه، يكفينا واحدة!
الشيء المستفز، في منطق التخوين, هو تنصيب العدو في موقع الساحر الأعظم، الذي لا تُرد له غواية. ان رب العالمين وحده، هو الذي ينعقد له الولاء والمحبة العميقة، مهما شقي ــ باذنه ــ المؤمنون. المعذبون يحبون الله ويلجأون اليه، لأنه خالق الكون والبشر ورب العالمين. أما أن يُقال بُهتاناً، ان المعذبين يوالون اسرائيل نفسها التي أشقت حياتهم، فمعنى ذلك أن هذا البُهتان، يضع اسرائيل في سوية الساحر الأعظم الذي يُجدّف على الله ولا تُردُ له غواية، وهذا من النطق الحرام ومن أحاديث الشيطان.
للعلم، كان الرئيس «ابو مازن» في الاجتماعات الأخيرة للجنة المركزية لحركة «فتح» وفي اجتماعات أخرى موسعة؛ قد أدلى بحديث تصالحي حقيقي وعميق. بعض الحاضرين استغربوا لكون هذا الحديث جاء في أعقاب كلام غاضب تسرب أو سُمع على لسانه. ونقولها باطمئنان، ان منحى السلطة و»فتح» في هذه الأثناء، يتوخى مصالحة حقيقية على أسس دستورية وقانونية. ويعرف المطلّون على محادثات القاهرة، أن جهد قيادة السلطة تركز أثناء العدوان على وقف النار الاجرامية، وهذا موقف ضد السياق الذي كان فيه المحتلون، وهم يسعون الى الاجهاز على «حماس». وكان الجميع يألم كلما سقط شهيد مقاوم. فكل قطرة دم فلسطينية، تنزف من دمنا جميعاً. ثم من الذي بمقدوره أن يشوّه المقاومة؟! ولماذا؟!
ليدع فتحي حماد جانباً، مرة والى الأبد، هذا المنطق العقيم، وهو الذي أدار مثل هذه السياقات لمدة طويلة عبر قناة التلفزة التي جمع بين المسؤولية عنها والمسؤولية عن «الداخلية»، حتى أُحبط الناس وظن السُذج أن الساحر الأعظم فاز بولاء وعمالة مئات الألوف من الفلسطينيين. أما مشكلته الشخصية، فنحن معه في مواجهته لها، ولن نأخذه بشائعة أو بفرضية ظنيّة، أو بحكايات رُويت، من قديم، وأخرى من جديد، والله من وراء القصد!