تسمية الأشياء بغير أسمائها - عدلي صادق
معلوم أن أكلاف إعادة إعمار قطاع غزة، لن تتلقاها السلطة الفلسطينية مالاً سائلاً. فهي عملية دولية مرتجاة، سيكون المانحون في إطارها، رقباء على أوجه الصرف ومتابعين لمشروعاتها. وهؤلاء لم يقدموا ولن يقدموا فلساً واحداً لطرف ثالث، بين ممولي المشروعات والمستفيدين المقصودين بالإغاثة وأعادة الإعمار لنحو تسعة آلاف منزل بخلاف المرافق والمعامل ومراكز الانتاج التي دُمرت. أما الطرف الثالث الذي لن يقبض ولا يصرف، فهو السلطة الضامنة لسير العملية في وجهتها المرسومة، وهذه إن لم تكن قادرة على أداء وظيفتها، فإن المانحين سوف يستنكفون، لأن المسألة مطروحة على طريقة "الوسطاء يمتنعون".
أما القول بأن السلطة الفلسطينية تلقت أموالاً تكفي لإعادة الإعمار، فهو يندرج في سياق الهجاء والتمحك الذي يحدث في مناخات ملبدة. هناك مؤتمر لم يُعقد بعد، للمعنيين بالمساعدة على إعادة الإعمار. وليست هناك حتى الآن عناوين أو خطط تتدفق على أساسها الأموال. وسمعنا وعوداً كثيرة مع بعض الاشتراطات. ومسألة اقتدار السلطة ومباشرتها لمسؤولياتها في قطاع غزة، ما زالت مطروحة، والآخرون يقولون إن إعادة الإعمار لن تكون، بغير بيئة سياسية وأمنية مواتية، وهذا ما ينبغي أن تأخذه في الحسبان، كل القوى، وأن تتجه لتوفيره. فما حدث معنا في موضوع رواتب موظفي "حماس" هو اصطدامنا بعراقيل مصرفية، حالت دون وصول معونة من قطر لصرف هذه الرواتب. بل إن نقل أية معونة مالية، ليس متاحاً، بغير بيئة سياسية وأمنية مناسبة ومقنعة للمانحين، وهذه إحدى المصاعب الموضوعية.
يحدونا الأمل في أن تكف أصوات من "حماس" عن التحدث بمنطق الخصومة، فتزداد جرعة الحديث عن التحرير وامتداد النصر، مع كيل الاتهامات وإطلاق العنان للمخيلة لإشاعة الظنون. فمن الضروري أن يدرك الجميع أن فلسطين وقضيتها وشعبها باتوا في مهب الريح وليس من مُغيث. والإقليم من حولنا مشغول في مشكلاته المعقدة، والقوى الدولية جامحة ضدنا، وشبابنا يطفر الى البحر والى المهاجر، وليس أمامنا سوى الأخذ بناصية الرُشد للحفاظ على أنفسنا. كفانا حديثاً عن انتصارات. فقد صمد شعبنا وصمدت المقاومة، لكن الكُلفة عالية. نحن في حاجة الى بعض التشكي، وبدل الحديث عن انتصار كامل ومتاح، وعن براهين تؤكد على إنه متاح، ينبغي أن نتحدث عن ركام يحتاج الى سنوات لإزالته، وعن إرادة ستصنع من خلال نقل الركام الى شاطئ البحر، حيّاً سكنياً أو فضاءً من الأرض، نطلق عليه اسماً ذا علاقة بالإرادة والصمود. وفي لغة الوطنية، أي لغة الصحو وليس لغة الغيبوبة وتسويق الأوهام؛ ينبغي أن نقول إننا عازمون بإرادة شعبنا على إزالة الركام وإعادة بناء العمائر والدور والمعامل والمرافق، وأننا سنفعل كل ما يعيننا على أداء هذه المهة باقتدار يحترمه العالم.
إخواننا في "حماس" ينفون أن عندهم "حكومة ظل" في غزة، وهم مُحقون، لأن ما عندهم في غزة سلطة واضحة تتحكم في كل شيء، أما التي في الظل، أو في ما بعد الظل، فهي حكومة الوفاق الراهنة، التي جرى الاعتداء على وزير الصحة فيها اثناء محاولته الدخول الى غزة في خضم العدوان، ومُنع الموظفون التابعون لها، من مباشرة أعمالهم، ومنعت المساعدات من الوصول الى مستحقيها فخُطفت وعُرضت في الأسواق. ومُنع المتصدقون من خلال الجمعيات غير المسيّسة، من إيصال صدقاتهم، ويُمارس كل شيء لكي لا تكون ثمة سلطة لهذه السلطة!
مختصر الحديث، إن الشروط الموضوعية التي ليست من صنع أيدينا، لإعادة الإعمار في قطاع غزة؛ تفرض علينا أن نكون موحدين وأن تمثلنا حكومة متمكنة من ولايتها. لكن الأمر حتى الآن، على أرض الواقع، يدل على عدم تمكن الحكومة من أداء عملها، على النحو الذي ليس بمقدور الخطابات أو المراوغات في الحديث ولا تسمية الأشياء بغير أسمائها، أن تنفيه وتنكره!