برج الظافر الذي كان - حسن الكاشف
يتلهف اهل قطاع غزه لسماع اخبار مؤكدة حول البدء بالاعمار حتى تبدأ عمليات ازالة الدمار الذي ما زال جاثماً على ارض غزة يستوقف نظر الناس، ويفرض على كل من يشاهده صمتاً يطغى فيه الغضب على الحزن، وإذا كان الصمت الذي يتفجر غضباً وحزناً هو سيد المشاعر، فإن هذا الدمار الذي ينتشر على ارض قطاع غزة من بيت حانون المدمرة الى رفح المدمرة يصرخ بمعاناة وعذابات الذين ظلوا على قيد الحياة من اصحاب تلك البيوت والأبراج التي تحولت الى جبال صغيره من ركام.
برج الظافر الذي سجل تلفزيون فلسطين لحظة قصفه وانهياره وقدم الصورة للعالم تشهد على الجريمة، سكان هذا البرج الذين اعطاهم الاحتلال دقائق لإخلائه قبل تدميره، بادروا الى ازالة الركام، بعد ان طرقوا كل الأبواب دون ان يجدوا من يباشر ازالة الانقاض الثقيلة التي تحول بينهم وبين انقاذ ما يمكن انقاذه من ممتلكاتهم.
هؤلاء الاخوة وعائلاتهم يعيشون مأساة متعددة الأوجه، فقد سارعوا بالنزول من شققهم يحملون اطفالهم، وكان معظمهم بملابس النوم، وفي دقائق شاهدوا الكارثة قبل ان يعيشوا مأساتهم التي لا تزال تطبع حياتهم، فلا يملك أي منهم ملابس او اثاثا او مالا، وهم بحاجة الى كل شيء، لكنهم لم يعتادوا الشكوى، ولا يعرف اي منهم ابواب هيئات المساعدة الفلسطينية او الدولية، ولم يذهب اي منهم الى المدارس التي كانت اماكن ايواء.
هم، معظمهم، من الموظفين "العائدين" حسب التسميات التي سادت بداية عودة السلطة، وكان امتلاك شقة، في تلك الابراج التي انتشرت وارتفعت على ارض غزة، حلماً وهدفاً تحقق بقروض كثيرة من البنوك والأقارب، بعد ان اكمل معظم اخواننا سداد قروضهم وديونهم وصلوا الى سن التقاعد، ولم يعد في العمر ما يكفي، ولا في النفوس والكرامة طاقة لذل السؤال.
بادر هؤلاء الاخوة الكرام الى البدء بازالة الدمار علهم يجدون بين الأسقف التي سحقت ما كان بينها، ما يفيد، وكل ما يمكن انقاذه من ملابس وغيرها سيكون مفيداً لمن باتوا وعائلاتهم بحاجة الى كل شيء، فما بالكم اذا وجدوا مصاغاً قليلاً افلت من البيع لسداد الديون وشراء الاثاث في السنوات الاولى لعودتهم الى وطنهم.
بين هؤلاء الاخوة الكرام بعض من اعرف وتعرفون، بينهم الاخ المناضل الكبير ... كريم النفس ... عطر السمعة والسيرة ابو وائل، ابراهيم ابو النجا حفظه الله سالما، وبينهم الزميل المتقاعد سعد توفيق بسيسو الذي كان مع السيدة زوجته في القاهرة التي ذهب اليها مطمئنا لأنه اخيرا امتلك شقة بمبادرة كريمة من الأخ ابو مدكور صاحب ابراج الظافر، كانت المبادرة قبل الحرب بشهور، حسب ما سرد لي اخي ابو توفيق سعد بسيسو، وما زالت بقايا ثمن الشقة التي كانت، دينا في رقبة سعد بسيسو، رحم الله شقيقه، شاعرنا الخالد الكبير معين بسيسو.
نهاية نهار الأمس قرأت خبرا عن توصل الامم المتحدة وإسرائيل وفلسطين الى اتفاق لبدء الاعمار، سيسعد هذا الخبر من ظلوا على قيد الحياة من سكان المنازل والابراج المدمرة، وهي كثيرة ... انها عشرات الآلاف بين المدمرة كليا والمدمرة جزئيا.
ماذا يمكن ان نقدم لإخوتنا وعائلاتهم، وهم بكامل بهاء الكرامة وعزة النفس، فلن تسمع منهم شكوى عندما تبادر مهنئا بالسلامة من موت كان محققا، ولن تسمع غير كلمات الشكر لله والإصرار على التشبث بأرض الوطن التي وصلوا اليها بعد رحلات اقامة بين عواصم عربية كثيرة.
لا يحتمل وضع اخوتنا وعائلاتهم كل هذا التأخير في ازالة دمار بيوتهم، ولن تكون ذرائع التأخير مقنعة، فهل تبادر جهات الاختصاص لتزيل دمارا من اسمنت وحديد وحجارة ثقيلة بحجم اعمدة خرسانية وأسقف كانت حتى اسابيع قليلة بيوتا، لمن باتوا لا يملكون بيتا ولا اثاثا ولا منازل ولا مالا.
السرعة مطلوبة بإلحاح عسى ان يجد اخوتنا ما يمكن، وما يصلح من بقايا اثاث وبيوت وبقايا مال قليل وذهب قليل ان وجد.
اخجل ان اعترف بأن اخوتنا يعانون من لصوص يسرقون ما تطال ايديهم من بين الانقاض....قاتل الله الفقر.