حوار مفترق الطرق - يحيى رباح
اذا تأكد انطلاق الحوار بين حركتي فتح وحماس في الأيام القليلة المقبلة, فان هذا الحوار يجري في الوقت الحرج, لأن موعد استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية برعاية مصرية في القاهرة اصبح على الابواب, ولقد فاوضنا خلال الحرب بوفد فلسطيني موحد, فكيف سنتفاوض اذا ظل الوضع في العلاقات الوطنية على حاله، كما ان الرئيس ابو مازن يعد اللمسات الاخيرة للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة قبل نهاية هذا الشهر, ولا بد ان تكون الصورة لديه واضحة عن مصير حكومة التوافق الوطني, وهل تستمر بوجود حماس او دونها، كما ان مؤتمر اعادة الاعمار الذي ينعقد في بداية الشهر المقبل يدق الابواب, والسلطة الوطنية اعدت خطتها, وحكومة التوافق الوطني هي الاداة الرئيسية لتنفيذ هذه الخطة, ولا بد ان نكون فلسطينيا في الوضع اللائق سياسيا, ولقد عانينا وخسرنا كثيرا من صورة الانقسام, ولدينا تجربة المؤتمر الدولي للاعمار الذي عقد في 2009 دون ان نستفيد منه شيئا.
واذا فان حوار الخميس مهم جدا, وحاسم جدا, وعلى مفترق طرق تتصادم فيه الخيارات بشكل دراماتيكي, ولا بد ان نكون معا وبأعلى صيغة ممكنة حتى نصعد الى خياراتنا الصعبة بهمة عالية وسواعد متشابكة.
ولم يعد خافيا على احد: ان دوي انفجارات القنابل الكبيرة التي القيت خلال واحد وخمسين يوما على قطاع غزة غطى الى حد كبير على ضجيج الممارسات الرديئة التي مارستها حركة حماس على الصعيد السياسي والميداني والاجتماعي والاغاثي والامني قبل وخلال وبعد الحرب، ولكن الآن لم يعد تجاهل هذه الممارسات ممكنا, ولم يعد السكوت عنها مقبولا, فلن يتحمل شعبنا ضياع فرصة اعادة الاعمار لأن طرفا فلسطينيا بعينه يريد بمنظور ضيق ان يختزل موضوع الاعمار عى هواه, ولدينا كما قلت تجربة قاسية سابقة, حيث عقدت المؤتمرات واعلنت المبالغ الضخمة ولعلعت النوايا الطيبة, ولكن المجتمع الدولي احتكم الى معاييره التي لم تنفذ, وهكذا لعق قطاع غزة جراحه, وظلت الرواسب حتى يومنا هذا دون علاج.
وهذه الحرب الاخيرة كانت مثارا للاسئلة الصعبة التي لم تلق الاجوبة الشجاعة, اسئلة مثل: لماذا لم توافق حماس على المبادرة المصرية عندما طرحت في البداية, ثم عادت ووافقت عليها بالشروط نفسها دون زيادة او نقصان؟ ولماذا قدمت حماس هدية مجانية خطيرة لاسرائيل باعترافها العجيب بانها كانت متورطة في الخطوة الاولى التي قادت الى هذه الحرب, مع ان اسرائيل لا تنقصها الحجج والذرائع, وكان افضل لنا الف مرة ان تتحمل اسرائيل مسؤولية انطلاق هذا العدوان الغاشم؟.
الحوار يبدأ وليس لدينا ترف اضاعة الوقت او احراقه في المماحكات التي ادمت هذا الشعب وجعلته يغرق في طوفان من الوجع, واعتقد ان حادث غرق الباخرة الاخير باتجاه مالطا يرسم الصورة المفجعة على حقيقتها, حيث الشباب يهربون من اليأس الى الموت, وحيث فقدان المسؤولية عما يحل بنا من كوارث ما زال مستمرا, فكيف نملأ الدنيا صراخا فارغا عن المتخابرين مع العدو ولا نرى نتائج التحقيق مع اؤلئك الذين ينظمون تجارة الموت, والذين يهربون الشباب من الانفاق ويقودونهم الى مصيرهم الاسود؟ وكيف لم يعرف الرأي العام الفلسطيني ولا حتى وزير الداخلية في حكومة التوافق الذي هو نفسه رئيس الوزراء حتى هذه اللحظة من هم الذين اعتدوا على وزير الصحة الفلسطيني الذي نجا بأعجوبة من الموت وهو ذاهب ليقوم بواجبه الوطني والوظيفي في قطاع غزة؟ ولا نعرف لماذا طلب من المناضل الفتحاوي المعروف عارف ابو شبات مغادرة قطاع غزة فورا, وان يعود من حيث اتى, وهو اصلا من ابناء القطاع, وعائلته تعرضت الى خسائر فادحة على يد اسرائيل في هذه الحرب, واثنان من ابنائه سقطا شهداء وجاء لكي يعرف ماذا حل بالعائلة! بل كيف سنلوم اسرائيل التي تمنع دخول الفلسطينيين الى وطنهم, وتبعد هذا او ذاك بما فيهم نواب في المجلس التشريعي ومناضلون كبار امضوا سنوات طويلة في السجون من العودة الى بيوتهم؟
لا اريد ان استعرض وقائع وتفاصيل كثيرة, وهذه مجرد اشارات سريعة, لكني اقول اننا ننتظر نتائج حقيقية من هذا الحوار, ونؤكد ان المكاشفة الامينة والمصارحة الشجاعة هي التي تضمن النجاح المطلوب لهذ الحوار, وكم مرة جربنا واكتشفنا ان تضميد الجرح دون تنظيفه يؤدي في نهاية المطاف الى تكرار الكارثة.