الأحمد يلتقي القنصل العام البريطاني لدى فلسطين    "هيئة الأسرى": الأسير فادي أبو عطية تعرض لتعذيب وحشي أثناء اعتقاله    سلسلة غارات للاحتلال تستهدف مناطق متفرقة في لبنان    رام الله: قوى الأمن تحبط محاولة سطو مسلح على محل صرافة وتقبض على 4 متهمين    أبو الغيط: جميع الأطروحات التي تسعى للالتفاف على حل الدولتين أو ظلم الشعب الفلسطيني ستطيل أمد الصراع وتعمق الكراهية    قوات الاحتلال تغلق حاجز الكونتينر شمال شرق بيت لحم    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم جنين لليوم الـ34    لليوم الـ28: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها    الاحتلال يقتحم قباطية ويجرف شوارع ويدمر البنية التحتية    الطقس: فرصة ضعيفة لسقوط الامطار وزخات خفيفة من الثلج على المرتفعات    الاحتلال يؤجل الافراج عن الدفعة السابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار    شهر من العدوان الاسرائيلي على مدينة ومخيم جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم وسط اعتقالات وتدمير واسع للبنية التحتية    الرئيس يصدر قرارا بتعيين رائد أبو الحمص رئيسا لهيئة شؤون الاسرى والمحررين    معتقل من يعبد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال  

معتقل من يعبد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال

الآن

جنود يصرخون لا للاحتلال - جواد بولس


أثارت الرسالة التي وقعها ونشرها ثلاثة وأربعون ضابطًا وجنديًا يخدمون في وحدة المخابرات الخاصة المعروفة برقم صندوق بريدها العسكري 8200 موجةً من الغضب وردود الفعل القاسية، بدأها نتنياهو وشارك فيها وزير جيشه والعديد من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم، على سبيل المثال، رئيس المعارضة البرلمانية يتسحاك هيرتسوغ الذي "تشاوف" أنه ضابط احتياط في هذه الوحدة، وإليهم انضّم عشرات من كتاب الأعمدة ومشاهير الإعلاميين المعروفين في جميع وسائل الاعلام المكتوبة وغيرها. 
تعد وحدة المخابرات هذه من أكبر وأعرق وحدات جيش الاحتلال، ويعود تاريخ نشاطها إلى ما قبل عام النكبة. وساعدت نجاحاتها إسرائيل في معظم نتائج حروبها، على جميع الجبهات وفي كل الميادين القريبة والبعيدة. 
للوحدة نشاطات نوعية وكثيفة تقوم بها من قواعد منتشرة على طول البلاد وعرضها، وبضمنها قاعدة تنصت تعتبر من أكبر قواعد التنصت في العالم. بفضل ما ورد يعتبر الالتحاق في صفوفها إنجازًا وفوزًا كبيرين، ومراد كل عائلة إسرائيلية، فعلاوة على نوعية الخدمة الوطنية التي يقدمها ابن العائلة لأمن اسرائيل يضمن التخرّج منها، فرص عمل ثمينة وخاصة في سوق التكنولوجيا والهايتك، فكثيرون من قادة هذه الوحدة شغلوا ويشغلون مناصب مرموقة وهامة في سوق الصناعات المتقدمة في إسرائيل ودول عديدة أخرى. 
كان لا بد من هذه المقدمة والتعريف بتاريخ الوحدة 8200 ومكانتها في دولة بنت تاريخها على قيم عسكرية تعتبر من أهم مكوّنات هوية الاسرائيلي الحديث، عسى أن يلقي ذلك ضوءًا على الدواعي الحقيقية لتلك الحملة المسعورة التي شنت وما زالت على الموقعين على الرسالة، فمن يراجع ما فضحه هؤلاء الضباط من ممارسات شنيعة بحق الفلسطينيين، لن يجد فيه كشفًا صارخًا لحقائق لا نعرفها، نحن في فلسطين، أو كتلك التي لم ترصد في مئات من التقارير والدوريات التي أعدّتها المؤسسات الإنسانية والحقوقية الناشطة في هذا المجال، هذا علاوة على ما نجح بتقديمه بعض الفنانين والمبدعين العرب والأجانب من أعمال فنية تعرّضت لجملة من الممارسات الصارخة والموبقات التي مارستها هذه الوحدة وغيرها، أبكت الملايين واستفزّتهم.
ومع هذا يبقى السؤال لماذا جاءت ردود الفعل الإسرائيلية بهذه الشمولية والحدة التي اعتبر بعضها الموقعين خونةً. 
كانت هذه هي المرّة الأولى، في تاريخ هذه الوحدة المميّزة، التي تجرّأ فيها العشرات من جنودها وأعلنوا عصيانًا ومعارضتهم العودة للخدمة فيها مجددًا، معللين ذلك ليس فقط بأسباب أخلاقية وبصحوة ضمير، بل بمبرر سياسي واضح وصريح، مفاده أن ريع الخدمة في وحدات الاستخبارات لا يستهدف الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين في اسرائيل، كما أشيع وكان سائدًا ومقبولًا، بل يعتبر نشاطًا حربيًا فعليّا من شأنه أن يرسخ الاحتلال ويعمّق وجوده ويؤدي إلى مضاعفة معاناة أناس عزّل يشكلون فرائس سائغة وأهدافًا لنشاطات تتم بدون مراقبة أو محاسبة وبانعدام إمكانية للتحكم بما يجمع من معلومات حساسة، هي بالحقيقة ليست أقل من حفر بشرايين شعب كامل ونبش فراش أبنائه وبناته. كان هذا الموقف نذيرًا شاخصًا أمام المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، التي تعكف دون هوادة، على تغليف قوامها بعوازل تحصّنها من أي خدش أو جرح، فكيف وقد جاءت هذه الرسالة لتشكّل كسرًا قد تكون عملية جبره عسيرة، لا سيّما وأن الموقعين "تمادوا وتواقحوا" حين دعوا رفاقهم بأن يحذوا حذوهم، ويفضحوا ما تقوم به عناصر الوحدة بحق الفلسطينيين الأبرياء.
كذلك، نشرت الرسالة في أوج معركة تخوضها دولة الاحتلال وتحاول مؤسساتها وبتجنيد جميع علاقاتها والوسائل، أن تصد ما ينهال عليها من انتقادات متنامية واتهامات واضحة تصف ما ارتكبه جنودها وجيشها في فلسطين المحتلة بجرائم حرب تستوجب ملاحقة مرتكبيها قانونيًّا، والحال هكذا جاء هؤلاء الجنود ليشهدوا على ما تقترفه وحدة عسكرية كان العالم يحسبها منزّهة عن الفواحش وبهذا، لا يتركون للخيال فسحةً، وهم إسرائيليون أقحاح، حول ما تفعله وحدات الجيش الأخرى التي تعتمد الرصاص دليلها والمدفع حاديها.
لقد وصفت رسالة الجنود الشعب الفلسطيني بالضحية المستباح دمها وعرضها وكانت هذه ضربة على "المقتل"، كما يقول الفلاحون؛ فقادة إسرائيل يستميتون ويحرصون، بعناد تمساح، أن يستأثر اليهود وحدهم بدور الضحيّة، وهم على دراية ما معنى أن يخسروا هذا التاج ويفقدوا هذه المكانة، فلقد زوّدهم تاريخهم بما يكفي من ذرائع ناجحة وخبرة مكّنتهم من الاحتفاظ بهذا اللقب طيلة قرن كامل، وفي كثير من الأحيان زوّدهم العرب أنفسهم بأسباب سهّلت عليهم مهمة احتفاظهم بتاج الضحية وشارتها، ولذلك حينما يأتي الصوت يهوديّا خالصًا ليعلن للعالم:
نحن الإسرائيليون اليهود شعب محتل وقامع لشعب هو الضحية المستباحة، ويرفقون بإعلانهم هذا ما يقنع من مبررات وأدلّة، عندها يهتز تاجهم وتمسي روايتهم في حرج وضيق. 
لقد أثبتت رسالة جنود وحدة النخبة، مجددًا، ما عرفته شعوب الأرض في مسيرات تحررها؛ فلن يزول احتلال إلّا بمقاومته من قبل ضحاياه، ولن تفلح مقاومة إلّا بمزيد من دعم مثل هؤلاء اليهود أبناء الدولة المحتلة، وقبل هذا، وبعد ذاك، على الضحية أن تقنع العالم، مهما كان مداهنًا ومرائيًا، أنّها مصرّة على الحياة وجديرة بالمستقبل.
قادة إسرائيل يعرفون تلك الحقيقة ويخشون الجنود الحالمين بالزنابق البيضاء. فهل ستعرف الضحية طريقها للنجاة؟

 

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025