مصر والنمو - حافظ البرغوثي
خلال فترة قصيرة قطعت مصر مرحلة الثلث في الحفر الجاف لقناة السويس الموازية وخلال ثمانية أيام تمت تغطية الاكتتاب العام في رأس مال القناة وهو ستون مليار جنيه بينما كانت البنوك متشائمة حيث قدرت ان تغطية المبلغ ستستغرق شهرين لكن ايمان الانسان المصري بالمشروع غطى الاكتتاب خلال أيام.
فالمشروع العملاق حيوي بالنسبة لمصر وهو سيخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل ومدنا جديدة مناطق صناعية وبحيرات لتربية الأسماك، فالمشاريع العملاقة يقوم بها قادة عمالقة، فقد بدأ محمد علي الكبير صاحب مشروع نهضة مصر الذي حاربه الاستعمار الفرنسي والبريطاني والتركي بمشروع زيادة الأراضي المزروعة مليون فدان وتطلب الأمر بناء قناطر على النيل وشق ترع وقنوات للري، لكن مشروع النهضة ذاك تكالب عليه أعداء النهضة العربية وحاربوه بعد ان بدأ مشروع التصنيع والاستقلال ومحاولة توحيد الشام مع مصر.
ولعل الرئيس السيسي يمر بالظروف نفسها التي عاشها عبد الناصر حين بدأ بمشروع الجلاء البريطاني ومشروع تأميم قناة السويس التي شقها المصريون بأيديهم ودمائهم وحاربه الاستعمار مستعينا بالاخوان المسلمين اذ كان هؤلاء يريدون الاستحواذ على الثورة المصرية وهو ما حدث بعد الثورة الأخيرة .. وعندما فشل مشروع الاخوان انضموا الى المعسكر المعادي علنا لمحاربة مشروع تنمية مصر وبناء السد العالي، ومثلما لجأ عبد الناصر الى موسكو لتنويع مصادر السلاح لجأ السيسي ايضا الى موسكو هو الآخر .. فالمتآمرون على مصر والأمة هم أنفسهم وأذنابهم لا تتغير .. لكن مصر مصممة الآن على بناء نفسها بشق قناة جديدة واعادة مشروع التصنيع ولعل الالتفاف الشعبي حول مشروع القناة هو دليل على ذلك، فمصر لديها من الامكانيات ما يتيح لها الخروج من عنق الزجاجة دون مساعدة، لكن الاهمال والتقاعس أديا الى تحولها من دولة مصدرة للغاز والبترول الى مستوردة ولديها حقول نفط كثيرة تحتاج الى سبر .. وسياحة تحتاج الى تنشيط وبحور تحتاج الى صيادين ومساحات واسعة تحتاج الى زراعة ومياه تتسرب تحتاج الى طرق ري حديثة بالتنقيط بدل الترع والقنوات والغمر .. وفوق ذلك عاصمة مكتظة لا تحتاج الى نصف عدد سكانها لكي تعود مزارا محببا للسياح ومقرا للشركات العالمية، مصر في بداية مرحلة نمو جديدة وفي نموها مكسب لكل عربي.