على رأس «داعش» - عدلي صادق
بعد أن أدعشَ نفسه، وأعلن بملء الفم، إنه كَسَرَ «صنم» الحدود التي مزقت دولة الخلافة الإسلامية؛ جاءه الصنم الأكبر، ومعه أيقونات عربية «رشيدة» طوت تناقضاتها واجتمعت لكي تشارك في كسر رأسه.
كأنما هي كوميديا سوداء، يمكن إدراجها في خانة هذا الأسلوب الأدبي الذي نشأ في الولايات المتحدة نفسها، وأتيح فيها لواحدنا أن يقتنص السخرية من شدق المأساة والحرب والجريمة، إذ يهجم الجبار الأرضي الأعظم، المتورط مع الإثم، مع جبار صغير واهِمٍ وضال، لا نعلم جنسه، هل هو دُمية أم روبوت أم عاهة مركبة تشكلت من بصاق أوطان عانت من السل الرئوي. الجبار الأول، الكبير، ومعه الأيقونات، يتمثل الحضارة والعدالة، بينما الجبار «العبيط» يتمثل الإسلام كذباً وبهتاناً. وفي الحقيقة لا هذا يعرف العدالة ولا الحضارة بمضمونها الأخلاقي والإنساني، ولا ذاك يعرف الإسلام. أما الضحايا فإنهم من أبناء الأمة المغرر بهم، والأوطان المنكوبة بمعتوهين من كل لون ومشرب.
أي إسلام هذا الذي تعرفه «داعش» ويُصار فيه الى ذبح الإنسان المسالم بالسكين، بينما المسلمون الأوائل، لم يذبحوا الأسير الذي كان يقاتلهم، وكانوا يعتمدون النص القرآني الذي يأمرهم بأحد إجراءين للأسير: إما المَنّ» أي إطلاق سراحه أو «الفداء» أي استبداله بأسير مسلم أو بمال. وأثناء احتباسه أمرنا رب العزة بحُسن المعاملة ورقتها. وحتى إن كان يصعب على المسلمين الأخذ بأحد الإجراءين، فإن تعاليم الدين تأمرهم بتصرف آخر مع الأسير الذي ليس لديه مال، باتاحة الفرصة له لأن يعمل ويقدم خدمة مناسبة للمجتمع المسلم يقدر عليها ويحتاج اليها المسلمون. هنا، تكون محرمة حتى الأشغال الشاقة المقررة في القانون الوضعي.
هذا هو منطق الدين مع الأسير الذي يقاتل المسلمين، أما الإنسان المسالم صحفياً كان أو من أتباع ديانات أخرى، فلا يمسه صحيحو الإيمان بسوء، ولا يأخذونه بجريرة شيء لا علاقة له به، ويكفلون له حرية العبادة من أتباع أي دين كان!
المعتوهون أعلنوا عن كسر «صنم» الحدود. وإن كان معنى الحدود، بين أجزاء الوطن العربي، محمولاً على الكراهة في الايديولوجيا القومية؛ فإنه اليوم محمول على الإبادة بالنسبة للدواعش، إذ يشمل القصف العراق وسوريا معاً، دون اعتبار للحدود. فهكذا أرادوا باديء ذي بدء، وهكذا آلت الأمور!
ليس أدل على حماقة هؤلاء الدواعش، من اعتمادهم أسلوب التواجد العسكري المكشوف، الذي يتشبه بالتواجد التقليدي للقوات المسلحة التابعة لدول المستقلة. فعندما يؤطر طرف نفسه جغرافياً وينشىء قوته ويهجم، فإن الأطراف الأخرى تتداعى اليه مثلما تتداعى الأكلة الى قصعتها. فللدول طبائعها، ولكل دولة شرعيتها داخل منظومة الأمم والأقطار. والمجانين الواهمون، هم الذين يعتقدون أنهم وحدهم في هذه الدنيا، ويعلنون الحرب على العالم ويذبحون رعايا الدول. والمقامرون هم الذين يذبحون مواطني الأمم الأخرى ويستحثون عداء وقرف العالمين. ونحن، في غمرة أحزاننا وفي زمن عربدة المحتلين الصهاينة وحروبهم علينا، كنا نأمل أن تُدار الدفة على الصهيوني، لكن الدواعش المشبوهين أداروها على المسلمين فجعلوهم في موضع الحرج والاضطرار للذود عن بلدانهم ودينهم وثقافتهم ودفع الشر الذي منهم وبينهم، دون التفرغ لدفع الشر الصهيوني الوافد من الغرب، الذي ينتهك حقوقهم ويستبيج مقدساتهم!