اميركا وروسيا في اوكرانيا: الحرب على مستقبل العالم - د. راضي طميزي
يكشف نشاط الولايات المتحدة الاميركية الفعال في اوكرانيا تمسك واشنطن بالنموذج الجيوسياسي نموذج المواجهة بين الغرب والشرق وهذه المواجهة لا يمكن انهاؤها بكافة الجهود سواء كانت دبلوماسية او سياسية او أيديولوجية.
وحتى في الوقت الذي استسلمت فيه روسيا الاشتراكية بشكل كامل امام الغرب واتخذت النموذج الديمقراطي الليبرالي كأساس لتطورها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي فان هذه المواجهة استمرت ولم تنته ونحن نلاحظ مؤشرات هذه المواجهة في منطقة القوقاز وفي تحركات حلف الناتو في الشرق مع العلم ان روسيا في حقيقة الامر لم تقاوم هذا التحرك بل انها سلمت بالامر دون ضغط او اكراه.
ومع هذا فان المواجهة الجيوسياسية بين الغرب والشرق وبين روسيا والغرب لم تنته ولم تختف حيث انه وفور اعلان روسيا بأن مصالحها يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار تم نعتها بامبراطورية الشر.
ومن جديد عدنا الى خطاب ولهجة الحرب الباردة وكأن شيئا لم يكن حيث يقوم الغرب بما كان يقوم به على مدى عشرات السنين ابان الحقبة السوفياتية.
ولكن الغرب كان يبرر افعاله ضد الاتحاد السوفييتي بان الاتحاد دولة شيوعية وان الشيوعية غير مقبولة لدى الغرب ولهذا كانت المواجهة تبرر على انها ايديولوجية.
والان في المواجهة مع الغرب نلاحظ الخطاب نفسه واللهجة نفسها وسياسة الاحتواء التي اتخذت ضد روسيا بعد حرب القرم الاولى في اواسط القرن التاسع عشر نفسها.
وهذا يعني باننا نفهم ان الغرب كان فقط بحاجة الى الذريعة حيث ان الهدف دائما واحد: وهو ان روسيا يجب ان لا تتجاوز الحدود المرسومة لها من قبل الغرب ويجب ان تكون دائما تحت السيطرة ضعيفة وفي حالة صراع البقاء وليس في وضع يمكنها من فرض شروطها ومصالحها.
اميركا تنظر ببالغ الاهمية الى عودة روسيا الى الحلبة الجيوسياسية في الوقت الذي تعي فيه انها ليست في كامل قواها.
وما يؤرقها هو ان روسيا تعرض نموذجا مثيرا للاهتمام والذي من شأنه ان يجمع حولها قوى مختلفة وهذه القوى تنظر بعين الريبة والشك الى نشاطات الولايات المتحدة على الحلبة الدولية. حيث يأتي هذا الاهتمام بروسيا كونها تعمل في اطار القانون الدولي "الاميركيون منذ زمن لا يعيرون القانون الدولي أي اهتمام" وكذلك ضمن قانون العدل وضمن الاسس الديمقراطية.
كل هذا يجعل من روسيا وجهة حقيقية ومركز اهتمام ليس فقط في اطار القارة الاورواسيوية وانما خارج حدودها ايضا.
هذا يعني اننا في الوقت الراهن نشهد بداية لعملية اعادة تقسيم النفوذ من عالمي واحد الى مراكز متعددة. وهذا النموذج من العدل انهاء سيطرة القطب الواحد ونشر سيطرة اقطاب اخرى متعددة وهذا هو المبرر الرئيسي الذي تقدمه روسيا ضد هيمنة القطب الواحد الاميركية سابقا اوالامبراطورية الروسية والى ما ابعد من ذلك ولهذا فان اصحاب هذا النمط الثقافي الحضاري يتواجدون عمليا في جميع انحاء اوروبا وكذلك خارجها.
ولذا وانطلاقا من القوانين الجيوسياسية فان الهدف الرئيسي للغرب يكمن في اضعاف وبعد ذلك تجزئة هذا المجال الاورواسيوي العملاق وتقيمه على اجزاء ومن ثم اضعاف هذه الاجزاء للوصول الى رحلة لا يمكن ان يمثل فيها أي ظاهرة جيوسياسية ذات قيمة.
اوكرانيا جزء مهم من العالم السلافياني الروسي حيث ان زبيجنيف بجينزنسكي مستشار الامن القومي السابق في ادارة الرئيس الاميركي جيمي كارتر قال ان روسيا بدون اوكرانيا لن تكون امبراطورية اورواسيوية.
نلفت الانتباه الى ان الازمة في اوكرانيا بدأت بعد اعلان الرئيس يانوكوفيتش عن رفضه الانخراط في الاتحاد الاوروبي وعن بدء عملية تكامل واتحاد جمركي مع روسيا.
لهذه اسباب فان روسيا بحاجة الى اوكرانيا وبحاجة لها في اطار البنية الاورواسيوية بشكل خاص. ولكن يوجد للغرب مصالحه واهدافه الخاصة وسيقوم بتنفيذها بالاعتماد على جزء من سكان اوكرانيا الذين يقطنون المناطق الغربية والذين يعتبرون انفسهم مواطنون اوروبيون وينظرون الى روسيا بنوع من الكره بعكس المواطنين الذين يسكنون المناطق الشرقية. ولهذا فانا اعتقد بان حربا جيوسياسية ستقوم بين الغرب والشرق على اوكرانيا والى ان يتمكن احد الاطراف من الانتصار في هذه الحرب فان هذه الاراضي الاوكرانية ستبقى مرتعا للفوضى والمواجهات المستمرة. وهذا نتيجة طبيعية تحصل في الاراضي التي تحضر اليها الولايات المتحدة الاميركية. (نتذكر هنا: العراق، افغانستان، ليبيا...الخ) وللاسف فان اوكرانيا ينتظرها المصير نفسه. الى ان تقوم بتحديد خيارها: فاما ان يتم تقسيمها الى اجزاء وهذه الاجزاء تقوم بشكل منفصل بتحديد خياراتها اما في مصلحة الغرب او في مصلحة الشرق. او ان تصبح دولة محايدة مزدهرة ومكتفية ذاتيا وتمثل الجسر الذي يربط الغرب بالشرق.