انزعاج الإدارة القاصرة - عدلي صادق
ما هو المخيّب لآمال واشنطن، من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؟! أو ما هي تلك الآمال التي رأت جينيفر بساكي المتحدثة باسم "الخارجية" الاميركية أنها خابت، وعلى ماذا استندت أو انتعشت؟
للأسف، بدل أن تعلن وزارة الخارجية الاميركية عن خيبة أملها من اللطمات التي تلقتها من حكومة اليمين الأصولي المتطرف التي أفشلت كل مسعى لواشنطن؛ نسمعها تسارع الى إعلان خيبة أملها من خطاب يضع النقاط على الحروف ويرسم صورة الواقع ويحدد باعتدال الأهداف التي يسعى الفلسطينيون الى تحقيقها، وهي بلوغ التسوية المتوازنة التي لا يختلف اثنان في العالم على مبادئها.
كأن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب في غزة، وكأننا نلفق حكاية الجرائم، فخاب أمل وزارة الخارجية الاميركية. ذلك على الرغم من أن الرئيس محمود عباس، في فصل الخطاب، اختزل مشاهد الجرائم كلها في إحراق الفتى محمد خضير بعد حقنه بمشتقات بترولية، وهذا ما لم يفعله النازيون بمثل هذا التفصيل المقزز، الذي لا تقوى عليه النفس البشرية السوية. ذلك علماً بأن عدم الاختزال، سيكون بعرض صور أشلاء الأطفال، بالمئات، بعد أن فتكت بهم قنابل من الوزن الثقيل.
المتحدثة باسم الخارجية الاميركية، تقول إن هناك عبارات مستفزة في خطاب الرئيس عباس، هي التي "تجهض الجهود الهادفة الى خلق مناخ إيجابي للتفاوض وإعادة بناء الثقة بين الأطراف". لكن جون كيري، وزير المتحدثة؛ يعرف أن بناء الثقة المرتجاة، بينه شخصياً وبين حكومة الاحتلال بات بعيد المنال. فقد أهين الرجل لمجرد أنه لم يستطع مجاراة حكومة نتنياهو في كل ما تقول وما تفعل. فهل كان ثمة أمل، في التوافر على مناخ إيجابي وبناء الثقة، بين حكومة الاحتلال وأي طرف دولي، بينما الأميركيون يدركون أن هذه الحكومة تعاكس المنطق الاميركي نفسه، فما بالنا بالمنطق الفلسطيني؟
ليس أكثر من الاميركيين استحواذاً على مراكز دراسات ومنظمات ناشطة تدرس وترى وتتابع، تحت عناوين ومسميات مختلفة إغاثية وتنموية واجتماعية. وعلى الرغم من هذا كله، لم تجرؤ الإدارة على النطق بالحقيقة. ومن طبائع الأمور، أن من يعجز عن النطق بالحقيقة، يشوّه نفسه بنفسه، ويعطل دوره ويضيّع صدقيته. وعندما تفعل الإدارة الاميركية ذلك، نفاقاً ومراعاة لحسابات تتعلق بمجموعات الضغط الموصولة بالمصالح الصهيونية والاحتكارات وأوساط صناعة السلاح، فإنها تضر بمصالحها على كل صعيد، بدءاً من مصلحتها في لعب دور حاسم ومُهاب في السياسة الدولية، وانتهاءً بمصلحتها في محاصرة حوافز تنامي الإرهاب والإجهاز عليها، لأن أية أمة عندما تشعر بالمهانة، ستنشأ في قاعها، ومن أوساطها الشبابية الأقل حظاً في التعليم أو في الرزق والأمل؛ شرائح ترى في الاميركيين معطلي تنمية وظلمة عُتاة وعدواً يتوجب إيلامه بطرق ووسائل معاكسة في الاتجاه ومساوية في اللامنطق، وفي مجافاة بديهيات التعايش بين الأمم!
إن المُخيّب للآمال حقاً، هو النطق القاصر للإدارة الاميركية. لقد تحدث الرئيس محمود عباس عن مجرمي حرب لا ينبغي أن يفلتوا من العقاب. وعندما تنزعج الإدارة الاميركية من هكذا حديث بصيغة الأمل الطبيعي المبتغى؛ فإنها تستحث دون أن تدري، تعاطفاً من أواسط في المجتمع العربي، مع كل عدو لأميركا بصرف النظر عن سلوكه، بل تستحث رغبة لدى غاضبين من سياسات واشنطن، في أن يفلت مجرمو الإرهاب، من العقاب.
إن هذا النفاق وهذه المحاباة المجانية الذليلة، لن تغير سياسة حكومة نتنياهو ولن تقربها من المنطق السوي ولن تثنيها عن جنونها!