القراءة الاسرائيلية لخطاب عباس - عمر حلمي الغول
شنت القيادة الاسرائيلية ووسائل ومنابر اعلامها المختلفة هجوما مسعورا على الرئيس محمود عباس بعد الخطاب الشجاع والمتميز في تشخيص واقع الحال الكارثي والنكبوي، الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني، وتسليط الضوء على جرائم الحرب الاسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، وملاحقة مرتكبيها، والتوجه نحو مجلس الامن لانتزاع قرار اممي يحدد زمن الانسحاب الاسرائيلي من اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967.
لم يحاول قادة إسرائيل الصهيونية ولا حليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة قراءة الخطاب من موقع المعاناة والظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني وقيادته. ولم يحاول اي من الاسرائيليين او ممثلي الادارة الاميركية وضع الذات مكان اي مواطن فلسطيني إنتظر 21 عاما من التوقيع على اتفاقيات اوسلو في البيت الابيض عام 1993 دون بصيص امل في إنقشاع غيوم الاحتلال الاسرائيلي الملبدة، ولم يحاول اي من صناع القرار في دولة التطهير العرقي الاسرائيلية او الولايات المتحدة من تلمس حالة السخط والغليان، التي تجتاح كل فلسطيني وعربي ونصير سلام بسبب جرائم الحرب الاسرائيلية المتواصلة عبر اشكال وصور متنوعة من الحرب الوحشية باسلحة الدمار الشامل البرية والبحرية والجوية او من خلال إختطاف الاطفال الفلسطينيين والتمثيل بجثثهم وحرقها كما حصل مع محمد ابو خضير، وتناسوا الاستيطان الاستعماري، الذي نهش الارض الفلسطينية نهشا كما الذئاب الضالة، وتضاعف بنسبة 1300% منذ التوقيع على اتفاقية المبادىء السلمية، وتجاهلوا التغيير الديمغرافي والجغرافي والحضاري للعاصمة الابدية للعاصمة الفلسطينية، القدس الشرقية.
الاسئلة التي تطرح نفسها على الاسرائيليين والاميركيين معا، ماذا ارادوا من الرئيس ابو مازن؟ هل ارادوا ان يقف صامتاً امام جرائم الحرب الاسرائيلية؟ هل ارادوا منه ان يصفق للاحتلال الاسرائيلي ويباركه؟ ام انهم ارادوا منه ان يكون سعد حداد او انطون لحد ام زعيما كرتونيا وهميا؟ ام شاؤوا ان يبقى نائما على وسائد الرعاية الاميركية المحشوة بالمسامير الاسرائيلية؟ والم يلحظوا ان عباس، رغم كل المصائب الاسرائيلية، التي تطوقه، أبقى الباب مواربا لهم للعودة لرشدهم، والتقدم نحو خيار المفاوضات المستندة الى الاقرار والقبول الصريح والواضح بترسيم حدود الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟ ولماذا لم يلاحظوا أن الرئيس ابو مازن، لم يحدد جدوله الزمني، ولم يلق قنابله السياسية في وجه اميركا وإسرائيل؟
الرئيس محمود عباس، رمز الشعب الفلسطيني الاول، والمعبر عن احلامه وآماله وطموحاته واهدافه الوطنية، والواقع تحت الضغوط الشعبية والسياسية الفلسطينية، كان عليه ان يحاكي معاناة شعبه، وان يشخص جرائم الحرب الاسرائيلية، ويؤكد بما لا يدع مجال للشك للقاصي والداني في العالم كله وخاصة لقادة الولايات المتحدة، بأن الشعب الفلسطيني وقيادته ستلاحق وتطارد كل مجرميي الحرب الاسرائيليين. ويطالب العالم بالوقوف الى جانب حقوق شعبه، ويلزمهم بالضغط على دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية لازالة احتلالها الاخير في العالم عن اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 67.
كان الاجدر بالادارة الاميركية وقادة إسرائيل واعلامييها ان يخجلوا من انفسهم ومن احتلالهم البشع، ومن مرتكبي جرائم الحرب ضد المواطنيين الفلسطينيين الابرياء والعزل وجلهم من الاطفال والنساء والشيوخ، لا ان ينبروا بالهجوم السافر والوقح على رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وان يتذكروا ان ابو مازن، اي كان نهجه وخطابه السياسي، وكيفية إدارته للصراع مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، فهو كان ومازال وسيبقى رئيسا للشعب العربي الفلسطيني، وقائدا لنضاله التحرري، ولن يكون يوما أداة في يد إسرائيل او اميركا. ولا يعني حرصه على مد يد الصداقة للولايات المتحدة، ولا يفهم من رغبته بتعميد الكفاح السلمي ضد الاحتلال كشكل رئيسي، انه يمكن ان يتنازل عن اي شبر من الارض الفلسطينية المحتلة عام 67 وخاصة القدس الشرقية او الاغوار او انه مستعد للتنازل عن حق العودة للاجئين لديارهم. ومن يريد خيار السلام وفق حل الدولتين عليه ان يشد على يد الرئيس ابو مازن، وان يقف خلف نهجه، ويدعم توجهاته، ويبارك كل كلمة حملها خطابه لا العكس.