خالد الذكر - حافظ البرغوثي
في مثل هذه المرحلة العصيبة والكئيبة بل الكارثية نتذكر الخطاب القومي العروبي، غاب الخطاب القومي عن الألسن وظل كامنا في قلوب الأغلبية الصامتة التي تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وجرى تمزيق المجتمعات ونشر الفتن والاقتتال وتشريد الشعوب وتسليم عواصم للأجنبي والتحالف معه ضد بعضنا بعضاً. في مثل هذه الأيام رحل خالد الذكر جمال عبد الناصر ومن بعده تناوشت الغربان جسد الأمة. وظل المستعمرون يطاردون كل من هو عربي حتى أجهزوا على القومية العربية وصار البعض يعتبرها رجساً من عمل الشيطان وظهر من يضرب الإسلام بالعروبة وكأنهما نقيضان بينما العرب هم مادة الإسلام وحاملو رايته إلى بقاع الأرض وهم سدنة الرسالة الأصلية التي طالها التغريب وفقدت بريقها وألقها العجيب بعدما احتكرها الشعوبيون والطائفيون والحزبيون الاوغاد وأعداء العرب، ولحنوا فيها كما لحنوا في لغة الضاد.
اليوم لا بد من استذكار زعيم الأمة الذي غاب، فهو ظل حتى الرمق الأخير أمل هذه الأمة وملاذها وجامعها على الخير والنضال فوقف مع المضطهدين وحارب الاستعمار وقاوم وحيداً هذا الغرب الذئبي المتوحش الذي عاد مجدداً إلى المنطقة ليعيد استعمارها وذبحها وتفتيتها مجدداً.
سقط دعاة الإسلام السياسي وكشفوا عن خيانتهم التي بدأوها عندما تآمروا على عبد الناصر وها نحن نراهم الآن رهائن لدى أسيادهم الغربيين جماعات وأنظمة لم تعد لها مهمة سوى التخريب والاقتتال وذبح العباد وإفساد البلاد.
عاد الوطن الكبير من بعده إلى الاقتتال الجاهلي لجهله بالعروبة.. مثلما كان الجاهليون يقتتلون لجهلهم بالإسلام.. ها هم عادوا يا ناصر.. المستعمرون كلهم وأذيالهم يعيثون فساداً وقتلاً وذبحاً في الأمة. ومصر الدامية حتى اليوم تحاول أن تنهض من تحت ركام المؤامرة عليها، وأي نهوض هذا وكل الهم العربي معلق عليها وبها، والعدو نفسه يتربص بالجميع.. أول «لا» عربية قالتها مصر للاستعمار إنها خارج حلف الأربعين فالعربي لا يقاتل تحت راية الآخرين وهذه خطوة على الصراط العربي المستقيم.
في ذكرى رحيل عبد الناصر لا بد أن نبشر الجيل الجديد بأن الأمل موجود.. فالخسران لا بد وأن يكون من نصيب الأعداء.. فالأمة لا بد أن تستعيد زمام أمورها وتستكشف مكامن القوة في عروبتها وكرامتها وعنفوان دينها وتراثها فالإسلام الحق والعروبة لا ينفصلان، وما نحن فيه من وبال هو نتاج تآمر دولي خبيث وارتباطات انتهازية لقوى داخلية ذيلية آثرت أن تكون في صف ابي رغال على أن تكون في صف العزة والكرامة. فالمجد للعروبة ويوم قيامتها لا بد آت. فالشعوب سرعان ما ستكتشف أن المضللين الضلاليين هم منافقو العصر ومآلهم كسابقيهم من المرتدين.