نبيل ومحمود - حافظ البرغوثي
أحب القراءة عن الشاعر الراحل محمود درويش لأن من عرف هذا العملاق يدرك قيمته وحضوره، جلسة معه أي جلسة تستحق ان تروى لأن للشاعر مفاجآت كلامية وحكايات و«قفشات» ومواقف تنال الاعجاب دوما .. ولعل أخانا نبيل عمرو اختلف عن كل الذين كتبوا عن درويش من حيث انه أوجز وأعجز، روى حكايات شخصية متبادلة ودخل في أعماق الشاعر محللا شخصيته وذهنيته بمعنى انه لم يكتف بالسردية بل أعطى صورا قلمية فيها سردية روائية رائعة وان كانت متقطعة وفقا لاسلوبه في اخراج الكتاب على شكل محطات اذ ان شخصية مثل محمود درويش من المستحيل حصرها بين دفتي كتاب، فلا هو بقصيدة تبدأ وتنتهي ولا رواية لها سياقها ونسقها .. انه شخصية متفردة لا تفهمها وان ظننت انك فهمتها فانك في جلسة اخرى تفتقد خيوطها لأن الدرويش ذو ملكوت خاص به ليس بالغ التعقيد كما نظن بل بالغ التبسيط، وقد نجح الكاتب عمرو في تسليط اضاءاته على هذه الشخصية ليس من موقع المكتشف للغموض بل من موقع الصديق الوفي، لأن درويش ظل لغزا بالنسبة للكثيرين ممن لم يقتربوا منه وحتما من اقتربوا منه لم يحللوا هواجسه وأحاسيسه وتأملاته مثلما فعل نبيل عمرو الذي فاق غيره في هذا المجال وأثبت انه ان روى فهو روائي بامتياز وان لم يكتب الرواية بعد، ولعلني هنا اذكر حواراً بينهما كما ورد في الكتاب عندما ألح نبيل عمرو في احدى الجلسات بينهما على محمود درويش بأن يكتب الرواية وكان محمود يحب الرواية ويفكر فيها لكنه لم يطرق هذا النوع الأدبي، لكن بعد قراءة نبيل عمرو في «حكايات شخصية» تلح كقارئ للكتاب على نبيل عمرو ان يكتب الرواية لأن كل أدواتها منقادة الى قلمه ولديه حصيلة خصبة من الحيوات تتيح له ان يكون روائيا متفردا.
ما جلب انتباهي في هذا الكتاب فقرة في رسالة كتبها درويش بخط يده الى صديقه نبيل بعد تعرضه للحادث الاجرامي باطلاق النار عليه في منزله ما أفقده ساقه، حيث كتب يقول «كيف يقدم فلسطيني على محاولة اغتيال فلسطيني؟ ألأن فيه فائضا من الاحباط المسلح أم لانفصال العقل عن الأداة أم لأن العجز عن محاورة الرأي بالرأي تبرير لسهولة الجريمة؟ فيصبح قتل الأخ شكلا من أشكال قتل الذات المريضة، سنحتاج الى علماء اجتماع والى علماء نفس لدراسة سيكولوجية الضحية العاجزة عن الفعل في المكان الصحيح والمتعطشة الى انجاز أية بطولة». هذه الفقرة يمكن اسقاطها على قتل العربي للعربي الآن، لأنها تحلل نفسيا ما يحدث عندنا وما حولنا.
محمود درويش عرفنا في شعره والكثيرون يجهلونه .. من لا يعرف درويش فليقرأ نبيل عمرو في حكاياته الشخصية ليتعرف اليه عن كثب.