ذهب يفند فإذ به يؤكد - حافظ البرغوثي
فتح الأميركيون صدورهم لدرجة الانفراج لخطاب حليفهم نتنياهو, وطلبوا من الفضائيات الأميركية بثه مباشرة من الأمم المتحدة وهو أمر لا يحدث إلا مع الرئيس الأميركي. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي له المكانة نفسها أميركيا, ليس شعبياً بل إعلامياً ونفوذاً سياسياً. في الوقت نفسه, حرمت رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز من الترجمة والبث عند إلقاء كلمتها من على المنبر نفسه لأنها قالت ما لا يعجب أميركا وإسرائيل معاً, ودحضت اتهامات الإرهاب التي يوزعها الاسرائيليون والاميركيون على كل من يخالفهم الرأي, واتهمت واشنطن وحلفاءها برعاية الإرهاب في العالم العربي, وحتى الإرهاب الذي تحاربه - أي داعش - كان وربما ما زال يحظى برعاية حلفاء أميركا, التي كانت تشجع هذا الدعم طالما هو موجه للصدور العربية فقط.
خطاب نتنياهو كان دفاعياً عن الباطل, طاووسي الشكل, بغيض المضمون كصوت الطاووس بالضبط، يعبر عن حالة نفسية منحطة أصابت رئيس السياسة الإسرائيلية, فكال الاتهامات لكل من هب ودب لإقناع المواطن الأميركي وليس الحضور في الأمم المتحدة, بأنه مثلهم يعاني من الإرهاب، ونفى أن يكون يحتل أرضنا في سابقة مضحكة لا تنطوي إلا عن استخفاف ناتج عن غطرسة القوة التي توفرها السياسة الأميركية المرتجفة له، ولعل من يقرأ خطابه يستنتج ما سبق وقلناه بأن هذا الرجل لا يملك مشروعاً للسلام بل مشروعاً للحرب والاستيطان وانه عمليا يؤكد عدم سعيه نحو السلام بل يقرع طبول الحرب دوما ولعل في تلابيب خطابه تأكيدا لما أبرزه الرئيس في خطابه من حيث عدم وجود نية اسرائيلية في السلام العادل, فهو ذهب الى المنبر الدولي ليفند خطاب الرئيس فاذ به يؤكد ما قاله الرئيس. وقد حاول نتنياهو العزف على وتر داعش كثغرة يريد الإطلالة من خلالها على عالم مغيب الضمير جرى تنويمه بسياسات ومؤامرات متلاحقة أدى بعض العرب والتيارات أو الأحزاب أدوارهم فيها كضحايا وجلادين في آن, وفي النهاية لن يجدوا من يحفر قبوراً لهم ولضحاياهم لأنهم مقتولون لاحقاً.. أنظمة مرتجفة وجماعات مرتدة وأحزاب جاهلية ورئيس وزراء إسرائيلي تلبسه عفريت القوة فأبى واستكبر ولم يعد يتذكر سير فرعون والطواغيت, يقامر بشعبه ويغامر بنا أيضا مع إدراكه أن انهاء الاحتلال هو أقصر الطرق للسلام, لكنه, وإن رأى ببصره, إلا أن بصيرته عمياء.
لا خشية من خطاب نتنياهو ولا خشية من الحملة الأميركية علينا, لأننا لم نخلق اليوم ولا الأمس, بل قبل بزوغ الأمس الأزلي, وهؤلاء عابرون في حقبة مريضة، لن يخيفنا إن كنا ضعفاء مجردين من القوة والعون, فالمستقبل دوماً للمستضعفين وبشرى للمستضعفين.