السويديون يقرعون الجرس الأوروبي - عدلي صادق
لا تفكر استوكهولم بطريقة واشنطن التي ما زالت تصر على وضع العربة أمام الحصان, والتعامي عن الواقع ورفع منسوب الغضب الذي أنتج "داعش" وغيرها. وعلى الرغم من التمثيل الأقلوي للحكومة الجديدة في البرلمان السويدي؛ إلا أن جسارة هذه الحكومة واحترامها لنفسها ولقناعاتها جعلاها تبادر الى الإعلان عن استعداد جدي للاعتراف بدولة فلسطين التي اعترفت بها الغالبية من الأمم، عبر برلمانها في الأمم المتحدة (الجمعية العمومية).
روبرت رايدبرغ، رئيس إدارة الشرق الأوسط والشمال الإفريقي؛ يفسر موقف بلاده قائلاً بالمنطق الذي يعانده الموتورون: "نريد دعم عملية تفاوضية بين إسرائيل وفلسطين، ونريد تقوية الفلسطينيين عبر جعلهم شريكاً على قدم المساواة في تلك العملية، كما نريد دعم القيادة الفلسطينية المعتدلة، المهتمة بالتفاوض حول حل الدولتين". وزاد سياسيون سويديون آخرون قائلين "ما كان ينبغي أن تفاجئ هذه الخطوة أحداً، فالقوى التي شكلت الحكومة، لم تكف عن إظهار موقفها الذي أحبطه حزب المحافظين "المسيحيون الديمقراطيون" طوال ثماني سنوات، لكن هذا الحزب سقط بفارق ضئيل في الانتخابات، وجاء الاشتراكيون الذين تمسكوا بحقهم في تشكيل حكومة ائتلافية.
محافظو السويد، يحاكون سياسات محافظي أميركا بالقدر الذي يسمح لهم بذلك مجتمعٌ يعلو مستوى وعي شعبه سياسياً على مستوى وعي الاميركيين. وللأسف، عاد الأوروبيون الى موقفهم الفضفاض، كلما واجهوا مواقف مفصلية. تناسوا الانقلاب الإسرائيلي على عملية التسوية، وانسداد سياسة حكومة نتنياهو التي تفعل كل شيء لكي لا تكون هناك مفاوضات، فتعاطى الاتحاد الأوروبي بحذر شديد يضاهي الرفض لخطوة السويد، ورددوا الكلام الأميركي العقيم واللاواقعي والفاقد للدلالة والجدية: "نعارض الخطوات الأحادية الجانب، ونطالب بحلول على طاولة المفاوضات، بموافقة الطرفين".
إن لم تكن هناك مفاوضات، وكان بديلها التوسع الاستيطاني لخلق وقائع مضادة للتسوية على الأرض، وإن لم يتفق الطرفان لأن أحدهما لا يريد أن يتفق على شيء له علاقة بالاستقرار والتسوية؛ فهل يكون إنكار حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة هو وحده الطاغي على المشهد؟
السويديون برهنوا على صدقية موقفهم الرافض للنشاط الاستيطاني وللممارسات الاحتلالية. وكل طرف يتذرع بالأحادية لكي يعطل الإقرار بالحق السياسي للفلسطينيين، يكون في الواقع ضد جوهر التسوية ومساعداً على تعطيلها، ومشجعاً لحكومة المتطرفين الإسرائيليين على التوغل في الجريمة وممارسة الإنكار لحقوق شعب يرزح تحت نير الاحتلال.
إن كان السويديون، يؤسسون لمنحى أوروبي ينبغي أن يُحتذى؛ يتوجب علينا أن نُنشئ بدورنا منطقاً سياسياً يفنّد المواقف الرخوة وعديمة المعنى، التي "تأسف" أو "تتحفظ" أو "تعارض" التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والممارسات الاحتلالية، وفي الوقت نفسه تبرر مواقفها السلبية ضد أي موقف إيجابي معزز بكل الشرائع، بالقول إنها تريد اتفاق الطرفين وتعارض الخطوات "أحادية الجانب"!
منذ الآن، أصبح من ينكر حق الشعب الفلسطيني في الدولة على الأراضي المحتلة عام 67 مشجعاً للاستيطان والعدوان، ولا وصف ولا موقف وسطاً بين الضلوع في السياسات الإسرائيلية ومحاباتها على النحو الذي يعصف بأمن الإقليم ويأخذه من جحيم الى جحيم!