التحديات كبيرة بحجم الامل - يحيى رباح
احتفلنا قبل ايام قليلة مع أمتنا العربية بذكرى عزيزة وملهمة في تاريخنا المعاصر، وهي الذكرى الحادية والاربعين لانتصار حرب أكتوبر المجيدة التي شاركنا فيها كطرف رئيسي مع الجيشين المصري والسوري إلى جانب الإرادة العربية التي توهجت في لحظات خارقة لكسر حالة الهزيمة والصعود إلى أفق جديد، فكان بعد ذلك تحرير سيناء وتحرير أجزاء كبيرة من الأراضي السورية في الجولان، وصعود منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وحصولها على موقع منظمة مراقب في الامم المتحدة، ورفع مكانة الشعب الفلسطيني ونضاله العادل من أجل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، وصعود العمل العربي المشترك الى مستويات جديدة من المشاركة في صنع القرار الدولي، وكان النظام الاقليمي العربي عبر مبادرته السياسية وعبر مكانته جزءاَ عضوياً من القرار الدولي، إلى أن حدثت الإنتكاسات والاختلافات الممنهجة، وسقوط النظام الدولي، واجتياحنا من قبل تطرف الإسلام السياسي الذي استخدم أداة في يد القوى الدولية، وصولاً إلى ما نحن فيه اليوم من تسجيل اسمنا العربي في دفتر الغياب، نؤمر فننفذ، ويطلب إلينا أن ندخل الأحلاف فنفعل، ونقدم الغطاءات فنستجيب، حتى أننا اليوم على مستوى المنطقة العربية لا نعرف من هو العدو ومن هو الصديق، وما هو الربيع وما هو الخريف، يستهتر بنا أعداؤنا الى حد الذل، ويحتار فينا أصدقاؤنا الى حد الذهول.
في هذه الهوة السحيقة بين الأمس واليوم، ننظر في أنفسنا فلسطينياً بصفتنا أصحاب القضية المركزية، وبصفتنا الطليعة، وبصفتنا أصحاب التجربة الأكثر عمقاً، فنرى حجم التحديات التي يمثلها الاحتلال الإسرائيلي الذي يسابق الزمن ويتجاوز كل القواعد لتدمير قضيتنا ومشروعنا الوطني وحلم أجيالنا، وتمكن هذا الاحتلال بطريقة عبقرية من صنع انقسامنا في السنوات السبع الأخيرة، وصنع خسائرنا الكبيرة الباهظة، خاصة في قطاع غزة الذي تعرض لثلاث حروب في خمس سنوات، ويحوًل أرضنا التي هي أرض دولتنا الفلسطينية الى احتياجات استيطانية وأشلاء ممزقة عن بعضها، ومقدساتنا يتم ابتلاعها في القدس، وشعبنا ممزق بين الجدران العازلة والكتل الاستيطانية والقوانين الجائرة والممارسات العنصرية والإرهابية مرة من قبل جيش الاحتلال ومرات من قبل قطعان المستوطنين والمجموعات الإرهابية ومسلكيات الجيش الإسرائيلي، وعدم توازن ومصداقية النظام الدولي الذي تتفرد بقيادته الولايات المتحدة الاميركية.
على الجانب الآخر، هناك علامات مضيئة في هذا الليل الأسود، فقد بدأت مصر التي صنع جيشها انتصار حرب أكتوبر، يقف على قدميه، والدولة المصرية وحولها قوة من دول عربية تسجل اسمها في دفتر الحضور، والقضية الفلسطينية تعود من خلال قرارات شجاعة لتكون عنوان حضور جديد ومعركة كبرى نستعد لخوضها في المحافل الدولية على الجانب السياسي، ومعركة كبرى نخوضها على الجانب القانوني والقضائي، وثالثة نخوضها على صعيد إعادة الإعمار وتكريس وحدتنا الوطنية وإعادة صياغة نظامنا السياسي.
المعركة كبيرة تنطلق برؤوس متعددة، وإرادة شعبنا هي قاعدة الانطلاق، فيوم الخميس المقبل موعدنا مع حكومة التوافق الوطني لتعقد أولى جلساتها الكاملة في قطاع غزة الذي منه تنطلق الخطوة الثانية يوم الأحد المقبل بالمشاركة بخطة متكاملة في مؤتمر إعادة الإعمار الذي تحتضنه القاهرة، وفي غضون أقل من ثلاثة أسابيع تبدأ معركتنا على صعيد مجلس الأمن الذي نعرض فيه خطتنا للسلام لنحصل على قرار بحدود دولتنا وتحديد موعد لإنهاء الاحتلال في غضون ثلاث سنوات.
الخطوات متلاحقة، وكلها مرتبطة ببعضها، وأداؤنا الفلسطيني عامل جوهري مهم للغاية، ووحدتنا هي حصننا القوي، واندماجنا في مشروعنا الوطني الواحد هو الأمل، فهل تنتصر الإرادة الوطنية الفلسطينية؟ هذا هو السياق الكبير هذه الأيام، لأننا لا نملك ترف المماحكات السابقة، ولا يحق لنا فلسطينياً أن نهوي في مجاهل المشاريع الإقليمية المتطاحنة في هذه المنطقة، ولا يحق للنخب السياسية الفلسطينية أن تكون هي السبب المباشر الذي يضيع على شعبنا فرصة الاستفادة من مساعدات إعادة الإعمار من خلال الفشل المتكرر في الالتزام بالمعايير، ولا يحق لأي طرف فلسطيني مهما كان يعتقد أنه على حق بأن يكون نقطة الضعف التي يرتكز إليها أعداؤنا في إفشال مشروعنا الوطني.
التحديات كبيرة بحجم الأمل، وملعون أي طرف يتشبث بأوهامه على حساب الجرح الفلسطيني والأمل الفلسطيني، والرهان الآن أن نضع أقدامنا على سكة الدولة الفلسطينية مهما كلف ذلك من تضحيات، الفرصة سانحة، وممكنة، وقريبة، المهم أن نعطي صوتنا لهدفنا وليس لأوهام الآخرين.