المعضلة والحل
في مطلع كلمته امام مؤتمر إعادة الاعمار، الذي كان يوم امس في القاهرة، ذهب الرئيس ابو مازن، بعد التحايا الحارة لمصر ورئيسها على مواقفه القومية المساندة لفلسطين، وبعد الشكر الجزيل لمملكة النرويج لاستجابتها لطلبه عقد هذا المؤتمر، بعد هذه التحايا وهذا الشكر، ذهب الرئيس ابو مازن الى جوهر المعضلة التي هي اساس كل خراب في هذه المنطقة، خراب الامن والاستقرار، الماضي الذي نعرف والحاضر الذي نعيش، الزمان والمكان معا، وأولا هي اساس كل نزيف وكل عذابات لفلسطين الارض والبيت والشعب والقضية، انها المعضلة التي اسمها ورسمها وحقيقتها الاحتلال الاسرائيلي ( كم كنت اتمنى ان نكون في غنى عن عقد هذا المؤتمر للمرة الثانية، لو ان عملية السلام التي بنيت على اتفاقيات اوسلو الموقعة منذ اكثر من عشرين عاما قد نجحت، ولو ان مبادرة السلام العربية قد تم تطبيقها، ولو ان رؤية حل الدولتين قد تم احترامها، إلا أيا من هذا لم يحدث، رغم المحولات الحثيثة للرباعية الدولية، والادارات المتعاقبة للولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي، وذلك لأن الاحتلال الاسرائيلي لم يتخل بعد عن مخططاته الممنهجة للاستيلاء على ارض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية ) .
لولا الاحتلال وسياساته ومخططاته الممنهجة للاستحواذ والسيطرة والاستيطان، لما كان هناك دمار في غزة ولا في الضفة، لولا الاحتلال ليس ثمة ضحايا شهداء ولا جرحى ولا اسرى، ليس ثمة حواجز وجدران عزل وفصل عنصري، وقبل ذلك ليس ثمة نكبة، وليس ثمة لاجئون، وليس ثمة حروب وعنف وتطرف.
الاحتلال هو المعضلة، واعادة الاعمار في غزة تعني اعادة الحياة لأهلها، واعادة الحياة لن تكون على النحو الانساني الآمن والمثمر، دون زوال الاحتلال ورحيله عن ارض دولة فلسطين، لن تكون بيوتنا امنه لا في غزة ولا في غيرها من مدننا وبلداتنا وقرانا مع بقاء الاحتلال، لن تحظى هذه البيوت ابدا بالطمأنينة، والاحتلال ماض في سياساته الاستحواذية وغطرسته العدوانية .
نعم هذه هي الحقيقة المرة، حقيقة الاحتلال وعبثه العنيف وغطرسته العدوانية التي تضرب بعرض الحائط كل القيم الانسانية، وبحروب لا هدف لها سوى القتل والتدمير، ولأن هذه هي الحقيقة، حقيقة الاحتلال المعضلة، يؤكد الرئيس ابو مازن ( لابد هنا من ايجاد مقاربة دولية جديدة لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، تنهي الاحتلال الاسرائيلي، وتفضي الى اقامة دولة فلسطينية والقدس الشرقية عاصمتها على حدود العام 1967 لتعيش الى جانب دولة اسرائيل في امن وحسن وجوار، تطبيقا لرؤية حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، فشعبنا الفلسطيني ومنطقتنا بأسرها لايحتملون المزيد، والوضع في المنطقة على حافة الهاوية ) .
يبقى ان نؤكد ان مؤتمر اعادة الاعمار، قد اعاد مرة اخرى القضية الفلسطينية الى واجهة المشهد في هذا الشرق المعذب بالصراعات العبثية، بل انه يوضح عميقا وقد احتشد بكل هذا المجتمع الدولي والعربي، ان الاعمار الحقيقي انما سيكمن باعمار القضية الفلسطينية بالحل الممكن عبر التفاوض النزيه والمخلص، الذي يؤدي الى سلام عادل،مثلما سيؤدي في الوقت ذاته الى اعمار هذا الشرق ايضا، بالهدوء والاستقرار والتقدم لكل شعوبه ودوله .
شكرا للشقيقة الكبرى مصر، وشكرا للصديقة المخلصة مملكة النرويج وشكرا لكل المشاركين في مؤتمر اعادة الاعمار، الذي نرجوه اعمارا للزمان والمكان بروح السلام وضرورته الواقعية .
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير