هل تتمكن الحكومة من تشييع الانقسام إلى مثواه الأخير - أ . سامي ابو طير
يُعتبر انعقاد اجتماع حكومة التوافق الوطني الفلسطيني قبل عدة أيام ولأول مرة منذ عدة سنوات على أرض غـزة (جزءٌ لا يتجزأ من فلسطين الوطن والأم) تجسيداً وتكريساً للوحدة الوطنية بين شطري الوطن وجغرافيته ، كما يعتبر ذلك الاجتماع بمثابة الخطوة الأولى والهامة عملياً على أرض الواقع لدق المسمار الأول في نعش الانقسام الأسود بعد سنوات الألم والمعاناة التي عشناها بفعل ذلك الانقسام البغيض.
لذلك تأتي تلك الخطوة الهامة في الاتجاه الصحيح وتكمن أهميتها الكبرى من الناحية الوطنية أولا لصالح فلسطين الوطن من أجل القضاء على الانقسام وتبعاته المريرة ،ومن ثم التفرغ لمقارعة إسرائيل لانتزاع الحرية والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
تكريس وتجسيد الوحدة هو الهدف الهام لذلك الاجتماع بغض النظر عن النتائج التي تمخضّت عنها جلسة الحكومة في غـزة ،والتي كان أهمها مناقشة ملف إعمار غزة بعد العدوان الهمجي والوحشي الاسرائيلي الأخير على شعبنا الفلسطيني في غزة وإرسال رسالة قوية الى العالم الخارجي مفادها توحيد أبناء الشعب الفلسطيني خلف حكومة وطنية واحدة وقيادة واحدة بقيادة السيد الرئيس محمود عباس ابو مازن "حفظه الله" ،وتلك هي أبرز و أهم النتائج لجلسة حكومة التوافق الوطني التي جاءت تتويجا لخطوات عملية سابقة من أجل اتمام المصالحة .
الجميع في غـزة كان ولا زال ينظر إلى حكومة التوافق الوطني وكأنها طوق النجاة من الغرق في عالم المجهول ، ولذلك تابعت جميع الأوساط الوطنية اجتماع الحكومة الأخير في غزة بشغفٍ بالغ وبنظرة تفاؤلية من أجل إيجاد حلولاً سحرية لمشاكل غـزة المتراكمة منذ عدة سنوات بالإضافة إلى إصلاح نتائج الحرب الكارثية الأخيرة بفعل اّلة الدمار الوحشية الإسرائيلية .
وتلك المشاكل أصابت نواحي الحياة المختلفة في غزة بالشلل التام سواء البطالة القاتلة مروراً بالكهرباء والاقتصاد المُنهك والبنى التحتية المُدمرة وانتهاءً أو ابتداءً بإعمار واصلاح ما دمره العدوان الاسرائيلي الأخير لجميع نواحي الحياة الأخرى التي كانت متهالكة أساساً بفعل الحصار الظالم والطويل الأمد .
في الحقيقة نتمنى جميعاً أن تحل جميع تلك المشاكل ما بين ليلةٍ وضحاها ونتمنى أيضاً لو ننام ثم نستيقظ ثم نرى غـزة في أحسن حال و كأنها بُعثت من جديد وفي أجمل صورة ولكن ...
الحقائق لا تتحقق بالأماني أو التمني ... ولكن تحتاج الى جهود جبّارة و سواعد وطنية قوية لتحقيقها وبطبيعة الحال فإن كل ذلك لا ولن يتحقق في يوم وليلة .
من هنا كان الله بعـون حكومة التوافق الوطني بقيادة رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله ، ولهذا أؤكد على أن تلك الحكومة لا تملك العصى السحرية التي بموجبها تستطيع تحقيق كل ذلك في زمن عاجل وقصير ، لأن غـزة أصبحت بعد العدوان أرض منكوبة و تحتاج لتظافر الجهود الوطنية و الدولية من أجل إعادة بعثها للحياة من جديد .
التحديات كبيرة والنكبة أكبر لأن ما تركة العدوان الأخير يفوق الوصف حيث ترتب عنه نتائج كارثية على جميع صُعد الحياة المختلفة دون استثناء ، وللتغلب على تلك الصِعاب يجب تضافر جميع الجهود الوطنية المُخلصة كما يجب الوقوف خلف الحكومة ومساندتها للقيام بواجباتها المختلفة من أجل إعادة الاعمار والتي بالتأكيد ستأخذ وقتا طويلا في عملية البناء والتطوير والتنمية .
أجزم بأن نتائج جلسة الحكومة واجتماعها على أرض غـزة ستكون ايجابية على المواطن الفلسطيني في قادم الأيام وخصوصا أبناء شعبنا الصامد في غزة ، حيث ستتفتح سُبل الحياة أمامهم من جديد وتعود العجلة للدوران نحو مستقبل أفضل .
كل ذلك سيتحقق بالطبع إذا كانت المصالحة من اجل فلسطين وليست من أجل مصالح حركية بعيدة عن حب الوطن .
لذلك الهدف والنتيجة الأهم من أجل مصلحة فلسطين العليا هي القضاء التام على الانقسام و إلى غير رجعة مهما كلف الأمر لأننا دوما نتطلع نحو الحرية والاستقلال ،ولذلك أعتبر بأن هذه الخطوة تاريخية لأننا تجاوزنا حاجزا هاما وهو تواجد الأخوة بين أهلهم وعلى أرضهم وداخل وطنهم الواحد الكبير لتثبيت جغرافية الوطن و وحدته الواحدة لنتفرغ لإنهاء الاحتلال .
تلك الخطوة هامة جداً وبانتظار الخطوات الهامة الأخرى وعلى رأسها ملف الأمن ثم الأمن لأنها الجزئية الأهم التي تتمحور حولها دائما نجاح المصالحة الوطنية ، ويجب أن تكون السيطرة الكاملة على الأمن من اختصاص حكومة التوافق الوطني كما يجب أن يكون لنا سلاح واحد فقط مثلما ارتضينا بقيادة واحدة وتمثيل واحد ، وإلا فإن الحكومة ستكون ضعيفة و هزيلة مهما فعلت ...
وهنا يعتبر ملف الأمن هو المحك الحقيقي الذي يحكم على المصالحة بنجاحها أو ..... وإذا ما تم التغلب على هذه المُعضلة فإنني أجزم بأن الحكومة ستتمكن من تشييع الانقسام إلى مثواه الأخير وإلى غير رجعة ، ولهذا يجب فتح هذا الملف لأن واقع المعاملات على الأرض يتطلب ذلك .
الخطوة الأخرى والهامة أيضاً هي الانتخابات التي يجب أن تحدث تتويجاً للمصالحة حتى نستند الى نظام ديموقراطي قوي، ثم نحترم نتائج ذلك النظام و ما سيفرزه لاحقاً من أجل تعزيز اللُحمة الوطنية حتى نتفرغ لمقارعة إسرائيل لانتزاع حقوقنا الوطنية الفلسطينية بإقامة الدولة المستقلة و عاصمتها القدس الشريف .
يعتبر الاستقبال الحار من طرف أبناء شعبنا الفلسطيني في غـزة للحكومة و رئيسها د. رامي الحمد الله أثناء جولتهم التفقدية لبعض المناطق المنكوبة هو الشعور والاحساس الحقيقي لأبناء الوطن الواحد اتجاه بعضهم البعض ، وذلك الاستقبال الحار الذي تَمثلَ جزء منه في معانقة الأم الفلسطينية الصامدة والصابرة لرئيس الوزراء "الحمد الله" يمثل أكبر دافعاً أمام القيادات الوطنية لإتمام المصالحة لأن الشعب يريد المصالحة ثم المصالحة .
إعادة الإعمار الحقيقية تكمن في تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة من خلال النوايا الصادقة وإعمار النفوس من الداخل بتغليب مصلحة فلسطين العليا على المصالح الخاصة .
أخيراً أوجه التحية والتقدير للسيد الرئيس محمود عباس ابو مازن على جهوده المُضنية من أجل أن تعلو رايات فلسطين خفاقة عالية ،ولذلك فهو يحارب على عدة جبهات مختلفة متحدياً جميع الصعاب والضغوطات المختلفة سواء داخلياً لإتمام المصالحة الوطنية والعمل على بناء مقومات الدولة المستقلة ، ويحارب خارجياً من خلال النضال في المحافل الدولية لانتزاع استقلال فلسطين وعاصمتها القدس الشريف ، لذلك كل الاحترام والتقدير لك سيدي الرئيس .