المقاطعة الايجابية - عمر حلمي الغول
ما يعلم الجميع غاب عن جلسة مجلس العموم البريطاني (350) عضوا، ومن شارك في التصويت على مشروع القرار الداعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية (300) عضو، غالبيتهم الساحقة صوتت لصالح القرار غير الملزم (274) واعترض (12) وتحفظ (14) عضوا وتغيب العدد المذكور آنفا. وجل الاعضاء المتغيبين من حزب المحافظين، ولم تكن مقاطعتهم الجلسة في 13 اكتوبر الحالي سلبية، بل لاعتبارات خاصة بالحزب الحاكم، لاسيما وان رئيس الحكومة كاميرون، اعلن بشكل واضح، ان حكومته لن تغير سياستها تجاه موضوع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بغض النظر عن نتائج التصويت. وبالتالي حتى لا يحرج اعضاء الحزب رئيس حكومتهم، ويؤثروا سلبا، آثروا عدم المشاركة في النقاش والتصويت على مشروع القرار.
ويمكن استحضار التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة مراقب، حين تحفظ (44) دولة على مشروع القرار في 29 نوفمبر 2012، وصوت لصالحه (138) دولة. الرئيس عباس والقيادة لم يتذمروا من الدول المتحفظة، بل اعتبروا تلك الدول مع مشروع القرار. والشيء بالشيء يذكر، فإن المقاطعة من قبل ال(350) عضوا في مجلس العموم البريطاني، لم تكن مقاطعة سلبية، بل ايجابية، لان جلهم يدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لاسيما وانهم يعتبروا ان الدولة البريطانية، هي صاحبة الوعد المشؤوم باقامة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية؛ وهي المسؤولة عن النكبة الفلسطينية عام 1948، كما انها لم تساهم لاحقا في دعم إقامة الدولة الفلسطينية، ومازالت بعد 67 عاما من إقامة إسرائيل الكولونيالية على حساب الارض والشعب الفلسطيني تراوح في ذات المكان، تنتظر الموقف الاميركي.
ورغم ان البعض في انكلترا وفلسطين وغيرها من دول العالم من سياسيين ومراقبين اعلاميين، لا يعول على التصويت الايجابي لصالح الاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية في مجلس العموم البريطاني، إلآ انه موضوعيا يشكل خطوة ايجابية وبالاتجاه الصحيح لنقل صانع القرار البريطاني من حالة التعثر والمراوحة إلى لحظة الحقيقة والدعم القوي للحقوق والاهداف الوطنية، التي تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، ولا تتناقض مع ما تنادي به دول الاتحاد الاوروبي وحتى الولايات المتحدة الاميركية.
وعود على بدء، فإن غياب اعضاء مجلس العموم من حزب المحافظين وغيره من القوى، كان غيابا ايجابيا ولصالح تمرير مشروع القرار، وللموأمة بين دعم القرار على رمزيته وبين توجهات حكومة كاميرون الائتلافية. وهو ما اثار حفيظة نتنياهو واركان حكومته، الذين كالوا التهم للبريطانيين، من الذين صوتوا ولم يصوتوا، لان رهان قادة إسرائيل على من لم يحضر، الحضور والتصويت ضد مشروع القرار. ولكن خاب رجاءهم ورهانهم. وهكذا كانت اعلى هيئة تشريعية في بريطانيا بقوامها من الاحزاب الاربعة وبمجموع اعضاءها ال (650) عضوا بسمة عامة مع التصويت لصالح مشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولا يقتصر الموقف البريطاني على وعند اعضاء مجلس العموم، بل ان كنائس بريطانيا دعمت وصوتت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعني ان المزاج العام البريطاني خاصة والاوروبي عامة مع الاعتراف بالحقوق السياسية الفلسطينية، وعنوانها الابرز الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. كما ان اعتراف اعلى هيئة تشريعية بريطانية بدولة فلسطين، ساهم بشكل مباشر في ارتفاع الاصوات الاوروبية الرسمية داخل فرنسا وايطاليا وغيرها من الدول المنادية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو ما يشير إلى اهمية الخطوة البريطانية.
شكرا لاعضاء مجلس العموم الذين صوتوا والذين قاطعوا، واتاحوا للمجلس التصويت. رغم التأخر المؤلم والطويل لعشرات السنين.