وقاحة إسرائيلية وخنوع أميركي - غازي السعدي
شهدت الأسابيع التي سبقت حلول عيد الأضحى المبارك، حراكاً سياسياً عالمياً عربياً أميركياً فلسطينيا وإسرائيلياً، تناول خطب أقطاب العالم في سنوية الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فكان خطاب الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بتاريخ 26-9-2014، خطاباً صريحاً جريئاً وواقعياً، عرض فيه تسلسل جوانب الصراع مع إسرائيل، والتعنت الإسرائيلي بإفشال مفاوضات الأشهر التسعة، ولم يخطئ الرئيس الفلسطيني بحرف واحد من الاتهامات التي وجهها لإسرائيل، وإذا كانت ردود الفعل الإسرائيلية على خطابه بوعد "نتنياهو" بتفنيدها، جاء رد الفعل الأميركي بوصف خطاب الرئيس بالاستفزازي وانه أشد عنفاً من الرد الإسرائيلي، مما يثبت من جديد أننا نعيش وسط عالم منافق، فقد أخذت الولايات المتحدة على عاتقها أن تكون محامي "الشيطان"، والدفاع عن إسرائيل منذ إقامتها، بل وقبل إقامتها، وتبرير جميع جرائمها، والوقوف إلى جانب إسرائيل في السراء والضراء، فقد عزلت نفسها ووجهة نظرها عن أغلبية دول العالم الذين أدانوا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والإجراءات المخالفة للقانون الدولي، وبخاصة الاستيطان في الضفة الغربية لتغيير المعالم الجغرافية المخالفة لقرارات الشرعية والقانون الدولي. "نتنياهو" شن حملة دعائية شعواء على خطاب "عباس"، باتهام الرئيس بالكذب والتحريض وإثارة الكراهية، وأنه ليس بهذه الطريقة يُصنع السلام-على حد قول "نتنياهو"- وكأنه يسعى جاداً لتحقيق السلام، بعد أن اكتشف العالم بأنه مخادع ولا يريد السلام، والسؤال: من الذي يمنعه من التوصل إلى السلام سوى العراقيل التي ينشرها على الطريق، ثم يأتي ليدعي: "نحن نبني في "يهودا والسامرة" وهي أرضنا التاريخية، وسنبني في كل مكان"، وهذه ليست أقوال فقط بل يجسدها بالأفعال فكيف يمكن تحقيق السلام دون إبقاء أرض لما يسمى بحل الدولتين، فيما يصف وزير خارجيته "أفيغدور ليبرمان"-في بيان رسمي- "عباس" بالإرهابي الدبلوماسي والذي لا يمكن أن يكون جزءاً من أي حل سياسي، كما يتهمه بأنه يشكل امتداداً لحماس باستعماله الإرهاب السياسي، وأنه يُكمل طريق الرئيس الراحل "ياسر عرفات"، وبشكل مختلف، وأنه طالما بقي "عباس" رئيساً للسلطة الفلسطينية، سيبقى الصراع قائماً، لكن المشكلة ليست بقاء عباس أو غيره، بل المشكلة بعدم قيام إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. إن محاولة "نتنياهو" في حملته التحريضية ضد "عباس"، اتهام الأخير في خطابه أن إسرائيل تعمل على إبادة شعبه في غزة، لكن "نتنياهو" وغيره من أباطرة الحركة الصهيونية، يريدون احتكار حق الإبادة التي طالت اليهود في العهد النازي، ولا يوجد لـ "نتنياهو" من يفند الاتهامات لسياسته سوى الاستمرار بالكذب والخداع، فاتهام إسرائيل بتنفيذ جرائم حرب في غزة، لم تصدر عن "عباس" فقط فحسب، فقد وصف الاتحاد الأوروبي ما حدث في غزة بالفاجعة، على لسان رئيس الاتحاد الأوروبي "هيرمان فان" في خطابه أمام الدورة الحالية للأمم المتحدة، متهماً إسرائيل باختراق القوانين الدولية بشكل فاضح، وهذه الاتهامات تعني أن من يحرض على الكراهية هي إسرائيل، من خلال أقوال وأفعال قادتها، وإذا كان "أبو مازن" غير صادق في اتهاماته، فلماذا يخشى "نتنياهو" التحقيق الدولي في جرائم إسرائيل، ويهاجم تشكيل اللجنة الأممية للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، ولماذا يطالب السكرتير العام للأمم المتحدة بتأجيل التحقيق، ولماذا شكلت إسرائيل لجنة تحقيق محلية، باشرت في عملها، لتكون بديلاً للتحقيقات الدولية لتزعم أنها قامت بالتحقيقات والاستنتاجات ومعاقبة المتهمين، فإسرائيل في مأزق حتى أن محكمة "راسل" البلجيكية أدانت إسرائيل، لارتكابها جرائم حرب في عدوانها على غزة، وقال رئيس المحكمة "بيير غالون" أن لدى المحكمة دلائل تثبت حدوث جرائم حرب إسرائيلية ضد الإنسانية. هناك من وصف خطاب "نتنياهو" في الأمم المتحدة، ووعده بالرد وتفنيد اتهامات "أبو مازن"، بأنه خطاب مكرر للمرة التاسعة، لا جديد فيه وأقوال أن الجبل الذي ولد فأراً ينطبق عليه، حتى أن جريدة "يديعوت احرونوت 28-9-2014" كتبت أن أحداً لا يصدق، ولا يثق، بما جاء في خطاب "نتنياهو" باستثناء الوفد الإسرائيلي المرافق، واليمين الإسرائيلي الذي جاء الخطاب مع توجيهاتهم، وتجاهله حل القضية الفلسطينية، كذلك فإن سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة، الذي كرر مقولة أن "أبو مازن" ليس شريكاً، بل أضاف بأن "أبو مازن" يشكل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل أكثر من حماس، لأن الخطاب يؤدي إلى عزل إسرائيل دولياً، ورفع الشرعية عنها، وفرض عقوبات عليها، ووزير المخابرات "يوفال شتاينتس"، الذي ادعى انه لم يفاجأ من خطاب "أبو مازن"، فإنه يرى أن "أبو مازن" يريد دولة فلسطينية دون سلام، فالكذب والمغالطات تشكل سمة المسؤولين الرسميين الإسرائيليين. إن أقوال"نتنياهو" بأن حماس هي داعش، وداعش هي حماس، التي تصالح "عباس" معها، رُفضت في بيان رسمي من البيت الأبيض الأميركي، كما أدانت أصوات إسرائيلية عديدة ما جاء في خطاب "نتنياهو"، كان أبرزها تصريحات رئيسة حزب ميرتس "زهافا غلؤون"، التي اتهمت حكومة "نتنياهو" بالدفع بهذا الاتجاه، وأن حزبها يؤيد جهود "عباس" من أجل إنهاء الاحتلال، والحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين المستقلة، وأن خطاب "عباس" يعكس فقدان الثقة بالمفاوضات مع "نتنياهو" التي لم توصل لأي نتيجة، بأسلوبه المتعنت على مدى السنوات الخمسة من حكمه، في حين استمر بأعمال البناء الاستيطاني بكل شراسة، لقد كانت ردود الفعل الإسرائيلية من معلقين ومحللين-بصورة عامة- تثبت فشل السياسة التي يقودها "نتنياهو"، فكبير الصحفيين في "يديعوت احرنوت 28-9-2014" "ناحوم برنياع" كتب بأن "نتيناهو"، بحاجة إلى "عباس" كورقة تين وليس شريكاً، فلم يبق أمام عباس سوى شن حملة دبلوماسية ضد إسرائيل، أما جريدة "هآرتس 28-9-2014"، فكتبت بأن إسرائيل تتذرع بخطاب "عباس"، وكأنه خشبة إنقاذ لـ "نتنياهو" لتسويق الاستمرار بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية، لا تعكس سوى جبن سياسي، وعجز قيادي للاستمرار بالاستيطان والتهرب من استئناف مفاوضات جادة، والأهم-كما جاء في الجريدة- أنه لا يوجد لدى إسرائيل، أي رد حقيقي على خطاب "عباس"، كما لا يوجد لإسرائيل إستراتيجية نحو الحل، وكتب المفكر الإسرائيلي عكيفا الدار"، بأن "نتنياهو" يوظف رغبته بالتعاون مع الدول العربية لتصفية القضية الفلسطينية، ولو كان صادقاً لقبل بمبادرة السلام العربية، كما كشفت الصحفية "سيما كدمون"، "يديعوت احرونوت 30-9-2014"، أن خطاب "نتنياهو" هو نفس خطبه السابقة، مع تغيير الذرائع، مرة عن الخطر النووي الإيراني، ومرة عن داعش، وأخرى عن حماس، وتضيف:"أن الجمهور الإسرائيلي لم يستمتع من مشاهدة وسماع مسرحية "نتنياهو" في الأمم المتحدة، وأن خطابه مكرر مخيب لآمال مستمعيه، ودون بشرى وإعطاء أمل للإسرائيليين". لقاء "أوباما"-"نتنياهو" في البيت الأبيض كان متوتراً للغاية، فكانت مباحثاتهما في ثلاثة ملفات: إيران التي ورد اسمها في خطاب "نتنياهو" في الأمم المتحدة (25) مرة، ثم خطر داعش، والقضية الفلسطينية، وقد صادف في نفس يوم هذا اللقاء، الإعلان في إسرائيل عن بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية جديدة، وحسب الإعلام الإسرائيلي، فقد وبخ "أوباما" بشدة رئيس الوزراء "نتنياهو" للاستمرار في البناء الاستيطاني، متهماً إسرائيل بتسميم الأجواء، وإبعاد أصدقائها المقربين عنها، وفقد "أوباما" الأمل بتوقع أي شيء من "نتنياهو"، الذي قال عنه بأنه لا يريد التوصل لاتفاق سلام، مؤكداً أن الرئيس "عباس"، هو الشريك للسلام، ومعه يجب التوصل إلى اتفاق، وأن "نتنياهو" شخصياً من أكثر المتحمسين للاستيطان، بل وبضم الضفة الغربية لإسرائيل. هناك مفارقة في أقوال الرئيس "أوباما"، فمن جهة اتهم خطاب "عباس" بالاستفزازي المهين لإسرائيل، ومن جهة أخرى يتهم "نتنياهو" بتسميم الأجواء، وكأنه يريد مسك العصا من الوسط، فقد جرب "نتنياهو كثيراً وخاصة طلبه بوقف البناء الاستيطاني، كما جربه في مفاوضات الأشهر التسعة الفاشلة، والسؤال: هل أن الولايات المتحدة، ستعبر عن غضبها من السياسة الإسرائيلية الحمقاء، بعدم لجوئها إلى "الفيتو"، لدى طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية للتصويت في مجلس الأمن؟ وإذا كان هناك من يتوقع بعدم لجوء الولايات المتحدة إلى"الفيتو" يصطدم بتصريح الرئيس أوباما، رداً على اعتراف السويد الجريء بالدولة الفلسطينية أنه سابق لأوانه، مع أن قرار إقامة الدولة الفلسطينية من قبل الأمم المتحدة، اتخذ أثناء قرار التقسيم رقم 181 منذ عام 1947، لكن "نتنياهو" وحكومته لا يحسبون حساباً لهذا التوتر مع الرئيس الأميركي، طالما أن الدعم الأميركي الاقتصادي والمالي والعسكري مستمراً، وأن "نتنياهو" سيراوغ بانتظار الانتخابات الأميركية القادمة ونهاية ولاية "أوباما"، بعد أقل من سنتين، أما العلاقات السياسية بين البلدين في نظر نتنياهو تبقى ثانوية طالما أن الدعم الأميركي لإسرائيل مستمر مقابل الخنوع الأميركي ودعمها لإسرائيل.