حركة فتح وقدرة الفعل و"ثوار" الفيسبوك! - المحامي ياسر المصري
تشكلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح ما قبل العام 1965 ، حيث تجمعت في ذلك الوقت مجموعة من الظروف المحيطة التي شكلت الواقع الفلسطيني البائس إثر النكبة، فحفزت الحاجة الفلسطينية الطلائعية لدى القادة المؤسسين للقيام ببلورة قوية للهوية الوطنية الفلسطينية وبث الروح بأن هناك راية فلسطينية وهوية وطنية جامعة تحمل أحلام اللاجئين الفلسطينيين ، لتنطلق بهم نحو حمل قضية وطنية وليست إنسانية كما أرادت لها الحركة الصهيونية لأن تكون
وسعت الثورة الفلسطينية لأن يتم تبنى هذا الفهم من قبل العالم والمجتمع الدولي ، وقد كان جزء من النقاش الوطني الفسطيني الدائر آنذاك متركزا حول نقطتين جوهريتين : الأولى في ضرورة الإجابة على ما إذا كانت (الوحدة طريق العودة ، أم العودة طريق الوحدة ) والثانية المتعلقة في الضرورات أوالحاجة لوجود "العمل السياسي" في ظل نظام عربي عبر موازين وتوجهات الاحتواء أنذاك
فأنطلقت حركة فتح وهي توفر الإجابة على الكثير من مثل هذه التساؤلات وتقفز عن الكثير من المخاطر والحواجز القابضة على انطلاق فعل يرسم الهوية والكيانية الوطنية الموحدة ، ويجسد قرارا فلسطينيا مستقلا ، ويعيد الحياة للقضية الفلسطينية من أسر اللجوء والاحباط والعدمية.
ونوضح تلك المرحلة الصعبة -كما كان يصفها أحد القادة المؤسسين -بأن القضية الفلسطينية كانت في غرفة الإنعاش وأن فتح عندما أنطلقت وتحملت مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني قلبت موازين الحال إلى حال تألق وأنبثاق يوم جديد حيث أخرجت القضية من المستشفى .
في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني والمنعقدة 6-12/1/1973والذي تبنى فيها بما يعرف ب"النقاط العشرة" ، ومن ضمنها نقطة: "تناضل منظمة التحرير الفلسطينية بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب المستقلة المقاتلة على جزء من الأرض الفلسطينية التي ينسحب منها الاحتلال وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله"
قد تضمنت هذه النقطة جوهر الإستراتيجية الفلسطينية التي تدمج العمل العسكري بالعمل السياسي في سبيل السعي لإقامة الدولة المستقلة في المرحلة التي تلت ، فهي بتبني كافة الوسائل ( الكفاح المسلح ، الانتفاضة، المقاومة الشعبية ، ......ألخ) حددت لمنظمة التحرير أهمية تحديد شكل الأداة النضالية في سيرها لتحقيق هذا الهدف وخلق التوازن الداخلي المنسجم مع الحاجة السياسية
بعد إنهيار ثنائية القطب في العالم (إنهيار الإتحاد السوفييتي ) وإنهيار قوى إقليمية وصعود أخرى في الإقليم ‘ فرض هذا التغيير في موازين القوى الدولية حالته على الواقع الفلسطيني ، وهذا أحد الأسباب المركزية التي دفعت بالقيادة الفلسطينية الذهاب لأوسلو كمرحلة إنتقالية نحو تحقيق الهدف بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
كان من أسباب تناولنا النقطة السالفة الذكر من مقررات المجلس الوطني في دورته الثالثة عشرة ، هو ضرورة التذكير الدائم بأن كل أساليب ووسائل وأدوات النضال قد تم الإجماع الوطني على تبنيها ، وذلك وفق الفترة الزمنية والبيئة السياسية الملائمة ، على اعتبار أنه لا توجد أداة نضالية مقدسة بحد ذاتها بقدر ما أن تكون فاعلة وناجعة في تحقيق المطلوب من استخدامها حسب "معادلة التقدير الخماسية": لموازين القوى، وتعرجات السياسة، ومؤثرات الإقليم والعالم، وفقه التوازات والاولويات، وامكانيات الحشد .
لقد ترشح السيد الرئيس ابومازن للإنتخابات الرئاسية وفق برنامج محدد وواضح من ثلاثة نقاط :
1- التمسك بالثوابت الوطنية وهذه النقطة لا يستطيع أحد التشكيك بقدرة السيد الرئيس في الحفاظ عليها، رغم كل حملات التشويه المهدّفة وضرب الوعي الوطني من خلال إبراز الثانويات على حساب الجوهر أو من خلال قلب سلم الأولويات الوطنية ، وهذه الحملات قائمة من ثلاثة أطراف محددة أولها الاحتلال لتفكيك الغلاف الشعبي من حول القيادة نتاج تمسك القيادة الأصيل بالثوابت ورفض كل أنواع الضغوط الخارجية والداخلية حتى حققت انتصار الدولة (غير العضو) في الأمم المتحدة، والمصالحة رغم أنف المتضررين، والانضمام للمنظمات الدولية تباعا
والجهة الثانية هي بعض الحردانين او غير اللاعبين ( إذا مش لعيب خريب)
والجهة الثالثة هي جهة المزاودة والمغالاة (التطرف) الداخلية لتحقيق بعض الوهم بالمكسب في تسجيل نقاط على الأخر متناسية ما تسببه من ضرر وتصدع في الوعي الوطني ، وقد ساهمت هذه الجهات الثلاث مجتمعة في النتائج ومنفردة في الأهداف والمصالح بإلحاق ضرر لا بأس به على صعيد التماسك الشعبي .
2- تعزيز الوحدة الوطنية ، وهنا قدمت حماس للإنتخابات التشريعية والرئاسية دون أن تدفع أي ثمن سياسي من فصيل فلسطيني معارض لإتفاق إوسلو إلى تنظيم يشارك في إنتخابات تنظمها مرجعية هذا الإتفاق ومن تنظيم وفصيل من وجهة نظره الإنتخابات التشريعية والرئاسية (1996) حرام إلى إنتخابات المشاركة بها حلال ، وهذا مسعى حقيقي ثابت واكيد على دورالسيد الرئيس في أهمية تعزيز هذه الوحدة وما سعى له لوقف مسلسل جريمة الإنقسام التي حدثت والتي بكل جهد ممكن تم التغلب عليها في الفترة الأخيرة بتشكيل الحكومة الحالية
3- تفعيل إطار ومؤسسات منظمة التحريرالفلسطينية : وهناك الكثير من المحاولات للدفع بإتجاه هذه المؤسسات غير أن واقعها يفرض الكثير من الإحتياجات ولا يوجد ما يسجل ضده ما يعمل عليه من خلال إنتظار القوى(التي هي في خارج إطار منظمة التحرير)لكي تحسم أمرها في هذه المسألة ، وقد قررت حماس ان تنسجم وتدخل إلى هذا الإطار وحديثها منصب على حصة الكعكة في هذه المؤسسات وليس على شكل وبرامج وأليات تفعيل هذه المؤسسات .
لقد توقفت كثيرا عند تصريحات السيد الرئيس في إجتماع وزراء الخارجية للدول الإسلامية في السعودية ، وهذا التوقف في اتجاهين الأول بأن تصريح السيد الرئيس لم يحمل ما جاء في تشويه البعض، من أنه مساس بأي ثابت فلسطيني بل على العكس حمل في ثناياه أننا كفلسطينيين وبالمستوى الرسمي من وجهة نظرنا المستوطنون الثلاث هم مفقودون ، وهذا يتناغم وينسجم مع أنه لا يجوز لإسرائيل اتهام أي طرف فلسطيني بقضية خطف أو غيرها ضمن المعطيات الحالية ، وما يتعلق بملاحقة الفاعلين إذا ما كانوا فلسطينيين
يأتي هذا من باب أن عملية الخطف إذا ما تمت فإنها تنسجم وتحقق أهدافا إسرائيلية عدة ومن ضمنها هدفا إسرائيليا بإفشال خطوة إنهاء الانقسام ولا يختلف فلسطينيان اثنان يملكون الحد الأدنى من الوطنية أن إنهاء الانقسام ضرورة وحاجة وطنية عليا لا يعلو عليها شيء ، وبالتالي الحفاظ على هذا المنجز ضرورة والعبث به مخاطرة تستحق الوقوف عندها وقراءتها من باب الأولوية والحاجة
وأعتقد أن حزب الله حين قامت (إسرائيل) بإغتيال الشهيد عماد مغنية وما يمثله مغنية من ثقل وقيمة في إطار المقاومة وحزب الله ، لم يقم حزب الله بالرد المباشر عبثا أو جهلا أو عدم إقتدار ولكن جاء ضمن حسابات لها علاقة بمعادلة التقدير من بنتائج وحسابات وأولويات تراعي مصالح الحزب في الوجود وتدرأ عنه مخاطر .
وعلى المستوى الفتحاوي كانت هناك تصريحات من قيادة الحركة ، ممثلة بالأخ ابو جهاد العالول وعبرت بشكل واضح أن قضية المستوطنين المفقودين الثلاث هي مجال شك فلسطينية وأنها تحمل طابع المسرحية سيئة الإخراج ، والأخ جبريل رجوب الذي برر الإختطاف إذا ما كان قد وقع (جدلا) أن (إسرائيل) لا تفهم لغة لإطلاق سراح الأسرى سوى هذا النوع والشكل من الأساليب، وأيضا كما عبر امين مقبول وغيره من القادة الفتحاويين حيث لم تؤخذ هذه المواقف لدي الذين يترقبون أي حرف مسيء ليعلقوا عليه أمجاد بناء مواقف بعيدة عن الواقع أو الحس المسؤول .
الرئيس محمود عباس يمثلني -وشعبنا الفلسطيني الواعي- في تمسكه بالثوابت ، ويمثلني في مسعاه لتحرير الأسرى ويمثلني بأن حركة فتح تتبنى المقاومة الشعبية في هذه الاحوال كأداة نضالية لتحرير الأرض والإنسان ، والرئيس محمود عباس يمثلني بأن إنهاء الإنقسام ضرورة ومنجز وطني يجب الحفاظ والتمسك به وأن أي عبث به هو مغامرة ومجازفة دون كيل الإتهامات لأي طرف فلسطيني بل بفرض الوقائع التي تحدد والحكم للشارع والأيام
ويمثلني الرئيس أبومازن بأن أطلاق سراح الأسرى الأبطال من سجون الإحتلال هي مسؤولية وطنية ومسؤولية دولية للضغط على الاحتلال لتحقيقه ، ويمثلني بأن صراعنا مع الاحتلال كاحتلال وليس بشكل ما من نتائج الاحتلال ، فاللجوء والمستوطنات والأسرى والمياه والحدود والقدس والاغتيالات ...إلخ هي نتائج لاستمرار الإحتلال البشع ، وعلينا العمل بشكل رئيس للخلاص من الاحتلال وليس من مظهر أو نتيجة من نتائج إستمرار أو قيام الإحتلال .
حركة فتح في هذه الظروف تدرك تماما ما الذي تواجهه ، وتمضي بخطوات حثيثة لتبني مشروعها المتعلق بإقامة الدولة المستقلة الحرة كاملة السيادة ، وقد تبنت في مؤتمرها السادس المقاومة الشعبية كأداة نضالية ملائمة لمواجهة الإحتلال-دون الغاء حقنا المشروع بكافة أشكال النضال- نتاج نضوجها وتقديرها لما تحتاجه في هذه المرحلة من خطاب وأدوات لتحقيق المنجزات وتقليل الخسائر
ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح عبر مراحل تاريخ القضية الفلسطينية كانت مؤتمنة وقادرة على الحفاظ على المشروع الوطني وأية حالة تشكيك بهذه المسألة هي طبيعية لكون فتح ومنذ إنطلاقتها إعتادت على مثل هذه السموم بكل أشكالها وألوانها
لكن ما هو من غير المعقول أنه بهذه الظروف يطغى العمى على البصر والبصيرة ويأخذ البعض أنظار واهتمام الشارع لما هو مدمر وسلبي في بناء الوعي الوطني الكلي، والسيد الرئيس أبومازن لم يكذب على أحد ولم يرفع شعارا ويفعل غيره بل بالعكس كان واضحا ومباشرا مؤمنا بالطريق التي يسير عليها بخطى واثقة وواضحة ، وخلفه حركة فتح الإطار والمناضلون لترسيخ وحماية ما يتم إنجازه في معركة بناء الدولة وإقامتها دون أي تنازل عن إي ثابت وطني .
عندي سؤال لجمهور الوطنيين المفترضين من مقاتلي لوحة المفاتيح مقاتلي الحاسوب و(الفيسبوك) إذا كانت الأجهزة الأمنية (معذرة) خائنة! والسيد الرئيس (معذرة) خائن! وحركة فتح كحركة تحرر وطني (خائنة)! وكل مؤسسات البلد تافهة ومقصرة ومرتبطة بالمحتل، ويعمل الجميع فيهم على تصفية القضية الفلسطينية؟! فمن ذا الذي يمنع اندثار الحلم بإقامة الدولة وبقاء واستمرار وتواصل المواجهة الباسلة مع الإحتلال ؟؟؟؟؟؟؟
إنني أعتقد جازما أن كل هؤلاء "المتهمين" زورا-من قبل ثوار شاشات الحاسوب و"الفيسبوك" وأضرابهم- ومعهم جميع مناضلي وثوار فصائل العمل الوطني وشرفاء الشعب الفلسطيني ونزيف دماء الشهداء وعذابات الأسرى وجوع الفقير ومعاناته في فلسطين هم من يقفون بصلابة وقوة وعنفوان وإرادة وعزيمة لاتلين في وجه الإحتلال في الميدان وليس "ثوار" العالم الإفتراضي.