الرعب الاسرائيلي وثوابت نتنياهو الخمسة - بكر أبو بكر
يؤكد الاسرائيليون يوما إثر يوم عدم رغبتهم بالتسوية, ويحاولون التملص من أي استحقاق سياسي, وتخليد الوضع القائم, بل ويقومون بشن هجوم معاكس على كافة الصُعُد العسكري والاجتماعي والسياسي والإعلامي وبالطبع (الثقافي الفكري التاريخي).
استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة معارك العدو في غزة والقدس والضفة أن تحقق مكاسب ونجاحات مشهودة دقت مساميرا في الأهداف الاسرائيلية التي لم تعد متسترة، وإنما بدت في كل جلاء لمن توهم امكانية تحقيق الحل مع هذه الحكومة المتطرفة، أو مع الطبقة السياسية الاسرائيلية الحاكمة بتياراتها.
أن يعلن وزير الحرب الاسرائيلي أن لا دولة فلسطينية بشكل قاطع وأن يسنده في ذلك المستشار السياسي لرئيس الوزراء (دوري غولد) لا يختلف كثيرا عن اصرار (بني غانتس) رئيس الاركان الاسرائيلي الذي صرح منذ الأيام الأولى للحرب العدوانية الثالثة على غزة أن تجريد القطاع من السلاح هو الهدف المركزي ما أكده هذه الأيام معظم إن لم كل السياسيين والكُتاب الاسرائيليين الذين باتوا ينظرون لسلاح أبو مازن الدبلوماسي بأنه إرهاب سياسي كما عبر عن ذلك وزير الخارجية ليبرمان، وباتوا يتوجسون خيفة من سلاح فصائل المقاومة في غزة رغم الهدنة القائمة، بل ويرون في حراك الرئيس الفكري الثقافي لدحض الرواية الاسرائيلية المكذوبة بأحقيتهم التاريخية في فلسطين والقدس ارهابا وتزويرا ولا سامية هم أسياده عبر التاريخ, وما تتبع (دوري غولد) لتصريحات كل من الرئيس ود.نبيل شعث ود.صائب عريقات وربطهم بإنكار الرئيس عرفات العلمي لوجود ما يسمونه "الهيكل" في القدس إلا في سياق التوجس والخوف الاسرائيلي الى حد الرعب من أي حراك فلسطيني لا يتفق مع أهدافهم وأكاذيبهم سواء السياسية أو الفكرية أو التاريخية (التي يثبت علم الآثار والبحث الحديث كذبها).
إن الرعب الاسرائيلي من الحِراك الفلسطيني باتجاهاته الأربعة أي السياسي الدبلوماسي، والميداني المقاوم، والثقافي التاريخي الفكري، والإعلامي هو رعب حقيقي. وإلا كيف تفسر الهجوم الاسرائيلي على اعتراف (رمزي) من بريطانيا بالدولة الفلسطينية، واعتراف السويد بما هو المفترض أنه نتيجة أي مفاوضات بين فلسطين والإسرائيليين أي قيام الدولة الفلسطينية. وكيف نفسر حالة الانكشاف التي كانت مرتبطة باليمين الاسرائيلي لتصبح حالة عامة في اليمين واليسار؟
يقول (يعلون) في مقابلة له مع صحيفة (اسرائيل اليوم) المقربة من نتنياهو:"لن تقام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وانما حكم ذاتي منزوع السلاح". واضاف، انه ستكون (لاسرائيل) سيطرة امنية كاملة جويا وبريا. وأكد، انه "لا يرى في رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شريكا في صنع السلام وانما طرفا لادارة الصراع" مضيفا ان "ابو مازن لم يعلن ابدا اعترافه بيهودية دولة إسرائيل".
وما كان هذا الا تأكيدا لما سبق وقاله مستشار شارون(دوف ويسغلاس) مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون، عام 2005 إذ قال نصا لصحيفة "هآرتس": "تعتري خطّة الانسحاب- من غزة- أهمية لأنها تجمد عملية السلام، وتمنع قيام دولة فلسطينية، وتجنب التناقش في ملفات اللاجئين والحدود والقدس. والواقع أننا محونا كامل الحزمة المعروفة باسم دولة فلسطين من جدول أعمالنا، مع كل ما تشمله من أمور. وحصلنا على موافقة للقيام بذلك، وعلى إذن من الرئيس والكونغرس الأميركيين". وأضاف: "إن هذا الانسحاب أشبه الغاز السام، لأنه يعرقل أي عملية سياسية مع الفلسطينيين".
وإذ يصبح المراوغ والمتشدد والعنصري اليميني المتطرف حاكما في تل أبيب هل كنا نتوقع أن يصيغ رؤيته وفق منظور متحضر؟! أليس من يحكم اليوم هو الايديولوجي (بن يمين نتنياهو) الذي لا يفتأ يستخدم الاستشهادات التوراتية المجتزأة التي تبرر له التهرب السياسي وما يساعده فيه أركان مدرسته أمثال يعلون وغولد وغيرهما.
إن استخدام الايديولوجي الثقافي التاريخي المفرط للقيادة السياسية الاسرائيلية دلالة إفلاس سياسي وقانوني ويأتي للتغطية على الفشل بالإتجاهات الثلاثة التي ذكرناها أي السياسي والإعلامي والميداني فلا بد للفاشل من استعارة تزويرات التاريخ وإطلاقها في عيون الأمة لإثبات ما ثبت علميا اليوم وليس الأمس خطلُه وكذبُه وتزويره إذ لم يكن البته أي وجود اسرائيلي (لبني اسرائيل) (القبيلة اليمنية المنقرض) أي وجود مع ممالكها وشخوصها إلا في بيئتها الأصلية وليس في لفلسطين، عدا أن اليهود اليوم الذين هم أصلا من منطقة قزوين-الأسود لا يمتّون بِصلة لمرويات التوراة التاريخية.
إن صناعة المستقبل من خلال الإغراق في متاهات التاريخ واستغلال الدين، كما استغلال التاريخ المحرّف بل والأسطوري في عملية إسقاط الماضي الذي ليس ذا صلة بالحاضر هو عملية إيهام للجمهور بصحة الموقف السياسي أو الرواية المستخدمة، وهو استخدام شائع لمعظم الفكرانيين (الايديولوجيين) سواء أكانوا يهودا أم مسيحيين أم مسلمين أم غيرهم, لكنه سرعان ما ينهزم أمام الحق العلمي والحقيقة.
أعلن الاسرائيليون اليوم بجلاء 5 ثوابت أولها أن لا دولة فلسطينية، وما كان الانسحاب من غزة عام 2005 إلا لهذه الغاية العظمى، إذ يقول في ذلك المفكر الاميركي الكبير نعوم تشومسكي في مقال له في الاتحاد 16/10/2014 (خلال أكثر من 20 عاماً، تواصلت المحاولات الإسرائيلية لفصل غزّة عن الضفة، في انتهاك واضح لاتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993، والتي تنص على أن غزة والضفة وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.)
تأكيدا لما قاله مستشار شارون لمن يريد أن يفهم.
وثانيا: ان الدولة هناك في غزة الملقاة للبحر في سياق آليات تأكيد الفصل الكلي جغرافيا وسياسيا وذهنيا.
وثالثا: إن الضفة بشكلها الحالي كالجبنة السويسرية بالمعازل الفلسطينية فيها هو الحل النهائي، وما نفعله نحن كأمة مع الاسرائيلي مجرد هراء وعبث وهدر للوقت يجِدُّ الطلب بإثره كل حكام (اسرائيل) القدامى والجدد لتثبيت الأمر الواقع ليصبح نهائيا. حيث يقول "تشومسكي" في تحليل مستنير للفكر الاسرائيلي وغاياته (إلى ذلك، تقوم (إسرائيل) باحتلال غور الأردن تدريجيا، وتطرد الفلسطينيين، وتقيم المستوطنات، وتحفر الآبار، بغية ضم ثلث الضفة (لإسرائيل)، إلى جانب المناطق الأخرى التي استولت عليها من قبل. أما الكانتونات الفلسطينية المتبقية فسيتم عزلها كلياً.)
أما رابع ثوابت الاسرائيلي فهو استمرار تحقيق الهيمنة بكافة أشكالها للعنصر اليهودي في الدولة العبرية, وفي مناطق "معازل=كانتونات" الفلسطينيين والمستوطنين فيها شركاء الأرض الواحدة بالضفة كما يريدون, وعبر عن ذلك نتنياهو وليفني قبله وغيرهم الكثير، وما وصفة "الدولة اليهودية" بالمعجزة الا في هذا السياق.
أما خامس الثوابت في الفكر الاسرائيلي الحديث فهو تحقيق حلم التوسع الاستعماري الأيديولوجي الثقافي إن لم يكن جغرافيا، فليكن من خلال التمدد الاقتصادي والسيطرة التقنية المرتبطة بتقاطع الأهداف السياسية اليوم مع التحالف العربي والعالمي ضد (داعش) وأخواتها، وضد إيران، وعمليا ضد أي محور عربي فاعل، ما يحاول الاسرائيلي ان يجد له فيه موطئ قدم أو حتى أصبع, مترافقا مع حشر الرواية التوراتية وتعميقها وكأن ما حفلت به كتب التراث والتاريخ والسرديات العربية من اسرائيليات حقائق يحاولون استخدامها لتزوير عقولنا تحت وطأة هيمنة الرواية المتطرفة سواء لدى المسلمين او اليهود.