حماس تتفق ثم تهجو - عدلي صادق
بدا لافتاً، أن أصواتاً حمساوية، عادت الى التصعيد اللفظي ضد الرئيس محمود عباس. وليس أقل عيوب هذا التصعيد، في هذه المرة، أنه يتساوق في توقيته وفي حِدَتِه، مع تصعيد أفيغدور ليبرمان بالانابة عن حكومته، وان اختلف الظاهر من المقاصد. ولكي ندخل في الموضوع مباشرة، نقول ان الدافع الحمساوي يحاول هذه المرة، التشاطر واللعب على حبلين يظنهما ممدوديْن، ما ينم عن منطق هواة مبتدئين في السياسة، يرون الحياة والسياق الوطني وكأنهما لعبة استغماية، تتبدى فيها براعات الأطفال. فللسياسة سياق آخر يتعاطى مع عوامل ومعطيات موضوعية. فلا يستوي أن يوقع طرف مع طرف آخر، على وثيقة وفاق، ثم يهجوه في اليوم التالي فيدك شريكه في جوهر وحيثيات وجوده وجدارته ووطنيته. وحينما يفعل ذلك، يكون أمام أحد حقيقتين: اما انه كان يكذب ويتلاعب عندما وقّع، أو كان يكذب ويستخف عندما يهجو ويدك. وهذا لا يليق بالعمل الوطني العام، ولا بفلسطين، التي لا تحتمل ترف التشاطر على حساب المصائر!
معلوم ان هجوم بعض الحمساويين على الرئيس الفلسطيني، هو جواب هذا البعض على تسمية الرجل للأشياء بأسمائها. فهو عندما يتطرق لموضوع الوفاق، لا يشطب الذاكرة ولا يقطع أسلاك كاميرات المراقبة للحركات والسلوك الراهن. وجماعة «حماس» للأسف، تطمح الى وفاق يشطب ذاكرتنا ويغلق الكاميرات ويختم موظفينا بعبارة انتهاء الصلاحية، ويضمن تعويد الحواس على جموحها الأمني في غزة، وتظل مقراتنا والعقارات «المحتلة» في حوزتها، أما جمعياتنا المغلقة أو المُستولى عليها، فان ارجاعها عسير، وستكون محاولة اعادة السيارات التي انتُهبت، كمحاولة احياء العظام وهي رميم!
مرة أخرى نكرر، ان ما تم الاتفاق عليه، لن يقنع أحداً، دون الأخذ بناصية الرشد الصدقية. فعندما يقرأ الحمساويون معطيات المرحلة جيداً، سيعرفون أن الأوضاع لا تحتمل المراوغة، وأن الشركاء في الوطن، ليسوا من عباد الله الساذجين، وليسوا مضطرين لاحتمال التسويف والتلاعب، وأن الحقَ أحق أن يُتبع!
خيار «فتح» هو الوفاق واستعادة وحدة الكيانية الفلسطينية وولايتها السياسية والأمنية على أراضيها. ان تعطيل انجاز هذا الوفاق لن يخدم «حماس» ولا «فتح» ولا الشعب الفلسطيني. ونكرر القول ان المحتلين يريدون أن تبقى غزة معزولة، ويريدون من «حماس» أن تلتزم بالتهدئة وأن تحكم الى ما شاء الله. ففي التهدئة ما يحقق لهم الهدف الأمني، ويُظهر حكومة نتنياهو بمظهر أقوى على اعتبار أنها أنجزت، وفي استمرار حكم «حماس» لغزة، ضمانة أكيدة لعطالة السياسة الفلسطينية، وبخاصة ونحن في وقت نتهيأ فيه للتوجه الى مجلس الأمن، ثم الى المنظمات والمعاهدات الدولية، بعد الاصطدام بالفيتو الاميركي.
أما الهجوم على الرئيس الفلسطيني، فانه يضع العصا في الدواليب. وتخطئ «حماس» ان هي اعتقدت أن الطرف الآخر، ملزم بالامساك عن أي نقد لسلوكها، أو عن أية اشارة الى أصل المشكلة هي الانقلاب الدامي. وليست مجدية محاولات اللعب على حبلين، لأن الوقائع والمعطيات الموضوعية كفيلة بافشال هذه المحاولة. السلطة الوطنية هي الطرف المعترف به اقليمياً ودولياً، وفي حال غيابه عن غزة، ستكون عملية اعادة الاعمار مستحيلة، أما ان حضرت السلطة، فان الأطراف الدولية ستنظر في كيفية حضورها، فان كان صورياً؛ لن تخطو خطوة واحدة في اتجاه مساعدتنا على اعادة الاعمار وتلبية مطالبنا العادلة على كل صعيد!