البرلمان البريطاني والاعتراف بدولة فلسطين - ميشيل ستاينبرج
"مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي لم تكن له أي شرعية على الإطلاق"، بهذه الكلمات التي تلاها مقدم مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين، الذي صوت عليه مجلس العموم البريطاني يوم الإثنين 13 أكتوبر الحالي بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث نال 274 صوتا مقابل 12 . وبالتالي أصدر البرلمان البريطاني قرارا غير ملزم ب "الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة (إسرائيل)، كمساهمة في تأمين حل الدولتين عن طريق التفاوض". وقرر البرلمان البريطاني عدم الانتظار ل "موافقة" من (إسرائيل) بالاعتراف بدولة فلسطين طالما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوف لن يفعل ذلك. لم يكن تصويت البرلمان بالأمر السهل، حيث كانت هناك تعبئة ساخنة ضد القرار من حكومة (إسرائيل) بأكملها، ومن جانب حزب العمل الإسرائيلي، ومن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وعلى الرغم من كل هذه المعارضة، أجيز القرار.
وهذا يدل على أن العالم قد ضاق ذرعا من تعنت (إسرائيل)، وأطماعها التوسعية، وحربها ضد الفلسطينيين المدنيين الأبرياء، بمن فيهم الأطفال. لقد سقطت هستيريا نتنياهو ومبالغاته على جانب الطريق. وصراخه في الأمم المتحدة والتلفزيون الأميركي بأن منظمة حماس الفلسطينية هي منظمة إرهابية مثل تنظيم داعش، ولن يجد أذنا صاغية. واعتراف البرلمان البريطاني ليس آخر المعركة، وإنما هو خطوة مهمة لمعركة الاعتراف.
وفوق كل ذلك، فإن المملكة المتحدة هي واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، حيث تخطط قيادة الحكومة الفلسطينية للحصول على قرار منه، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
قال مقدم مشروع القرار، نائب حزب العمال جراهام م. موريس لزملائه البرلمانيين إن "تصويتكم الإيجابي" سيكون بمثابة رسالة إلى (إسرائيل) بأن البرلمان البريطاني يؤمن بأن مشروعها الاستيطاني غير الشرعي هو الذي دفع احتمال حل الدولتين لشفا الانهيار. وهو مشروع ليس له شرعية على الإطلاق، وأن المجتمع الدولي حازم في معارضته للاستعمار المنهجي للأراضي الفلسطينية.
ومن الواضح تماما أن العلاقات بين إسرائيل وفلسطين عالقة في طريق مسدود، كما هو الحال بالنسبة لسياستنا الخارجية ". وفي حين امتنع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن التصويت، وحث جميع أعضاء حكومته على أن تفعل الشيء نفسه، انضم 39 نائبا من حزب المحافظين و 192 نائبا من حزب العمال في التصويت لصالح القرار.
ولكن، حتى بعض المتحدثين باسم حكومة كاميرون، الذين من بينهم وزير شؤون الشرق الأوسط، توبياس الوود، دانوا سياسات (إسرائيل) على الرغم من أنهم عارضوا القرار نفسه. قال الوود إن "تطلعات الشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقها بالكامل إلا مع انتهاء الاحتلال ..
ونحن نعتقد أن هذا الأمر سيتحقق فقط عبر المفاوضات ".
وكدليل آخر على أن حكومة نتنياهو تبدو غير مبالية بالواقع العالمي الجديد، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الفور بيانا هاجمت فيه التصويت، معلنة أن "الاعتراف الدولي السابق لأوانه وأنه ينبغي أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية ناتجا عن نجاح محادثات السلام المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
وذهب وزير الزراعة يائير شامير إلى أبعد من ذلك ليقول للإذاعة الإسرائيلية إن التصويت كان دليلا على ازدياد معاداة السامية في أوروبا. وجدير بالذكر أن التصويت البريطاني جاء بعد أقل من أسبوعين من إعلان رئيس الوزراء السويدي الجديد بأن حكومته ستكون أول دولة أوروبية غربية تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية.
وفي حين أن الإدارة الأميركية لم تتحرك لمتابعة قرار البرلمان البريطاني، أفادت مصادر مقربة للبيت الأبيض أن الرئيس أوباما لم يبذل أي جهد لإيقاف الإجراء السويدي أو تصويت مجلس العموم البريطاني. وفي الواقع، أفاد المصدر بأن الإدارة في واشنطن قدمت دعما فعليا للإجراء البريطاني، وليس سرا أن اجتماع واشنطن الأخير بين أوباما ونتنياهو سار بصورة سيئة، مما جعل العلاقات تصل إلى أسوأ احتكاك بين الرجلين.
ولقد وصلت مشاكل نتنياهو أيضا إلى الجبهة الداخلية، فقبل أيام قليلة من تصويت البرلمان البريطاني التاريخي، وقعت 363 شخصية إسرائيلية بارزة رسالة يحثون فيها أعضاء البرلمان البريطاني على التصويت لصالح قيام الدولة الفلسطينية.
وجاء في جزء من الرسالة: "نحن الإسرائيليين القلقين والحريصين على مصلحة دولة إسرائيل نؤمن بأن البقاء طويل الأمد وضمان أمن (إسرائيل)، يعتمد على بقاء طويل الأمد وضمان أمن دولة فلسطين ولهذا السبب نحن، الموقعين على هذه الرسالة، ندعو أعضاء البرلمان البريطاني للتصويت لصالح مشروع القرار الذي سيناقش يوم الإثنين 13 أكتوبر الحالي، وندعو الحكومة البريطانية إلى الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة (اسرائيل) وجاءت الرسالة كمبادرة من المدير العام السابق بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون ليل، ومؤسس منظمة "السلام الآن"، أمريام جولدبلوم، ومؤسس منظمة "كسر الصمت" يهودا شاؤول ومن بين الشخصيات الإسرائيلية البارزة التي وقعت على الرسالة: يوري أفنيري، وران كوهين وزير سابق، ويوسي ساريد، زعيم حزب ميرتس السابق، وأعضاء سابقون بالكنيست: يائل دايان، وموسي راز، ونعومي شازان كما تضمنت التوقيعات شخصيات إسرائيلية بارزة أخرى، من بينهم الجنرال المتقاعد إيمانويل شاكيد، والنائب العام السابق مايكل بين يائر وعدد من الكتاب الإسرائيليين. بعد يوم واحد من التصويت، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ردا على سؤال من الجمعية الوطنية، إنه "إذا فشلت محادثات السلام، فإن فرنسا لن تتهرب من مسؤولياتها، وإنما ستعترف بالدولة الفلسطينية ". وأضاف بأنه "من اللحظة التي نقول فيها إنه توجد دولتان، سيكون هناك اعتراف بدولة فلسطين، وهذا أمر مفروغ عنه ومنطقي". اتخاذ ثلاث دول أوروبية رائدة جميع الإجراءات العامة لتسجيل دعمها للدولة الفلسطينية، وإبداؤها عدم رضاها عن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية يعد تحولا كبيرا. وأبعد من ذلك، تقول مصادر مطلعة إن هناك المزيد من الأصوات الأوروبية قادمة.
من جانبها، أكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين وشعبها هو قرار مبدئي، لكنه خطوة نوعية نحو تحقيق العدالة والسلام. فهذا التصويت يعزز الأصوات الأوروبية الأخرى التي تحث على الاعتراف بدولة فلسطين، وسيخلق البيئة المناسبة للمجتمع الدولي لمنح الشعب الفلسطيني الفرصة في التكافؤ القانوني والحقوقي.