تونس تنتصر لذاتها والعرب - عمر حلمي الغول
الانتخابات البرلمانية التونسية الاخيرة الاسبوع الماضي (26اكتوبر)، شكلت نقطة تحول هامة في مسار الجمهورية التونسية الديمقراطي، كونها اعادت الاعتبار لخيار للشعب وقواه السياسية الليبرالية والديمقراطية، وحجمت مكانة حركة النهضة الاخوانية، ووجهت لطمة قوية للمتساوقين معها خلال المرحلة الماضية.
تمكن الشعب التونسي الشجاع من الامساك بزمام الامور بالتصويت للقوى الوطنية والديمقراطية، حيث حصل تكتل نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي على 85 مقعدا، متقدما على حركة النهضة ب15 مقعدا، التي حصلت على 69 مقعدا، وهبط انصار الغنوشي إلى الدرك الاسقل، حتى يمكن الافتراض انهم تلاشوا في المشهد الشعبي والبرلماني التونسي، لان عدد المقاعد التي حصلوا عليها لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة. بالمقابل حصدت القوى المدافعة عن تونس الخضراء، تونس الديمقراطية على نسب تتناسب مع ثقلها في الشارع، لكنها بالمجمل مع حركة نداء تونس شكلوا الاغلبية المقررة في مستقبل البلاد والامة على حد سواء.
لم تكن الضربة القاصمة، التي وجهت لفرع تنظيم الاخوان المسلمين وحلفائها إلآ نتيجة للسياسات الخطيرة، التي انتهجوها في تمزيق وحدة النسيج الوطني التونسي، وبعدما افتضح دور حركة الغنوشي، التي تبوأت في الانتخابات السابقة 23 اكتوبر 2011 المركز الاول، حيث حصلت على 89 مقعدا، وتأكد التونسيون ان جماعة الاخوان واضرابهم عاثوا بالبلد فسادا، وفتحوا الوطن للجماعات التكفيرية، وقاموا باغتيال بعض الرموز الوطنية المعارضة، الذين فضحوا سياساتهم داخل وخارج قبة المجلس الوطني التأسيسي: شكري بلعيد، احد زعماء الجبهة الشعبية، اغتيل في 6 فبراير 2013؛والنائب الوطني الديمقراطي محمد البراهمي اغتيل في 25 يوليو 2013؛ وتواطأوا مع فروع جماعة الاخوان في البلدان العربية وخاصة في مصر لتمرير مشروع التفتيت الاميركي الاسرائيلي للدول وشعوب العربية، وسعوا لضرب انجازات المرأة التونسية التاريخية، وغيرها من الممارسات المشبوهة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، التي دفعت الشعب التونسي للنزول للشارع للجم تلك السياسات اللاوطنية، وارغموا حركة النهضة لتغيير حكومتين خلال المرحلة السابقة، والاستجابة لصوت الشعب باقرار دستور جديد يتوافق مع التوجهات الديمقراطية وكفاح التوانسة في يناير 2014.
ما حصل في تونس يعتبر إنجازا وطنيا وقوميا وللقوى الديمقراطية حيثما كانوا هاما، وتكريسا لما شهدته مصر المحروسة في الثلاثين من يونيو 2013، وتعميقا للخيار الديمقراطي في اوساط الشعوب العربية؛ ولطمة قوية لاصحاب المشاريع المعادية لمصالح الاشقاء في تونس والعالم العربي؛ وإنتشالا لمستقبل الامة، لاسيما وان النصر الكبير، الذي تم عبر صناديق الاقتراع، اكد للقاصي والداني، ان القوى الحاملة لهموم ومصالح شعوبها، ومعها الغالبية الساحقة من قطاعات الشعب، لا تقبل خيار جماعة الاخوان المسلمين ولا القوى التكفيرية المنبثقة منهم او المتحالفة معهم، وانها مصممة على الدفاع عن وحدة اوطانها وشعوبها ومصالح الامة العربية، وإعادة الاعتبار لاهداف ومكتسبات الثورات العربية، التي انطلقت في عام 2011.
حاولت حركة النهضة الاخوانية المناورة بعد هزيمة حلفائهم في مصر، ونتيجة ضغط الحركة الشعبية التونسية المتواصلة ضد سياساتهم، عندما تراجعوا عن خيار الاستفراد بالسلطة، وانحنوا مرغمين امام التطورات العاصفة، بهدف تضليل الشارع التونسي، غير ان الشعب، الذي إنكوى بممارساتهم وارهابهم، والذي كشف مخططهم التصفوي للدولة الوطنية وللخيار الديمقراطي، كان لهم بالمرصاد، ورد لهم الصاع صاعين حين صوت لصالح ممثليه وللقوى الاقدر على تمثل مصالحه في المرحلة الراهنة والمستقبلية.
مبروك للشعب العربي التونسي، ومبروك للامة العربية ولقواها الديمقراطية، ومبروك لفلسطين ما حصل في تونس الخضراء، لانه يشكل عامل ايجابي من عوامل الدعم القومي الحقيقي.