زكية شموط في الحياة والموت - سمير قسيمى
في الصورة الكبرى، تلك التي نملكها للحياة، تتموضع صورة المناضلة المجاهدة زكية شموط بين صور نساء أخريات خلدهن التاريخ لارتباطهن بالوطن وبحريته.
رحلت زكية شموط الجزائرية الفلسطينية، من غير أن ترحل ذكراها ومنجزاتها.. ففي حياتها لم تقصر في نصرة قضيتها الأولى والأخيرة «فلسطين». وفي موتها سنستمر في الثناء عليها وعلى تضحياتها، اعترافا بأرض القدس التي لن تعدم أن تنجب مثلها.
قدر الله أن في تاريخ كل وطن توجد امرأة كزكية شموط، امرأة كجميلة بوحيرد، كجان دارك.. نساء يعلمن الرجال معنى التضحية، الصمود والصبر. ربما هي فكرة الله عن جمال الفداء للوطن ينفخها في روح امرأة كزكية شموط.
في الحياة كما في الموت، يمكن لشخص واحد، لإرادة واحدة، لقلب واحد أن يمنح الوجود معناه، حين تصبح الرغبة في الموت-الاستشهاد- طريقة لوهب الحياة للآخرين.
عرفت أم مسعود كما تكنى المأساة في صباها، ففي الثالثة من عمرها عندما سقطت فلسطين في أيدي الصهاينة وتكالب عليها اليهود من كل حدب وصوب، نقشت في ذاكرتها صورة والدها وقد انفرد به الصهاينة يشبعونه ضربا، حتى حولوه إلى كتلة من الدماء وأفقدوه إحدى عينيه.. وهو مشهد كما تقول عشش في ذاكراتها ولم يفارقها.
تستمر صور الاضطهاد والظلم في التموضع في ألبوم «أم مسعود»، تماما كما تموضعت في ألبوم وطن أسير نسميه فلسطين.. صور لم تجعلها تبكي أو تنعزل أو تندب حظها وحظ وطنها، بل جعلتها تنتفض وتحاول جهدها أن تمنح كل شيء منها لوطنها- القضية.
هكذا بدأت رحلتها نحو حلم أفضل، في اتجاه أرض سلبت من شعبها. رحلة بدأتها للحياة ومن أجل الموت رغبة في الحياة..