نعم ..( داعش) في غزة - موفق مطر
ما بين جريمة تفجير منصة الرمز الوطني الفلسطيني والقومي العربي والعالمي ياسر عرفات، ومنازل قيادات من حركة فتح في قطاع غزة، وبين اعتراف صالح العاروري عضو المكتب السياسي لحماس بمسؤولية جماعته عن عملية خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم بعد خمسين يوما من العدوان على غزة وارتقاء حوالي ألفي شهيد وجرح حوالي 12000 جريح وتدمير اربعين الف منزل يكمن الجواب!.
في الحالتين قدمت حماس الخدمة المجانية لدولة الاحتلال، حيث غطى دخان جريمة تفجيراتها الـ 15 الارهابية في غزة فجر الجمعة على لهب نيران جيش الاحتلال والمستوطنين اليهود المتطرفين الحارقة لأكباد الفلسطينيين ومقدساتهم في القدس المحتلة، وحرفت أنظار الفلسطينيين والعرب عن خطر حقيقي يتهدد مصير المسجد الأقصى – لاحظوا التحول السريع في تسليط وسائل الاعلام المحلية والعربية على تفجيرات غزة، على حساب الهجوم الاسرائيلي المنظم على القدس والمسجد الأقصى تحديدا. ولا ننسى ان عملية التفجير الارهابية جاءت مباشرة بعد تبني حماس لعملية دهس لمستوطنين في القدس.
أما في حالة العاروري فان اعترافه بمسؤولية حماس عن قتل المستوطنين الثلاثة قد اعطى دولة الاحتلال ما كانت تحتاجه من شهادة براءة من جرائمها خلال خمسين يوما من العدوان على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وقطاع غزة، وحق الأسبقية في الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة المجني عليهم!! (الفلسطينيون).
نلاحظ في الحالتين مساعي حماس لإنقاذ رؤوس قادتها السياسيين من انتقام اسرائيلي حتمي برز علنا في تهديدات مباشرة لحياتهم عبر وسائل الاعلام، يطالهم اينما كانوا !! فسارع العاروري للاعتراف، لمنح "اسرائيل" صك براءة من جريمة سفك دماء 1500 شهيد فلسطيني ثلثهم من الأطفال والنساء، فيما ساهمت التفجيرات بغزة ضد حركة فتح، ليس بالتعمية على جرائم شرطة وقوات الاحتلال والمستوطنين بالقدس وحسب، بل بإعطاء اسرائيل ما تحتاجه من مبررات لتشديد حصارها على قطاع غزة، وشرعنة حربها على القطاع بحجة كونه وكرا للارهاب، بعد دحش اسم (داعش) بالمسؤولية عن تفجيرات غزة، ما يعني شرعنة استدراج الحرب الدولية على الارهاب الى أراضي دولة فلسطين، واعطاء دولة الاحتلال – رغم كونها كذلك- الضوء الأخضر من المجتمع الدولي لشن هذه الحرب، ما يعني اعادة فتح بوابات جهنم الحرب على شعبنا في قطاع غزة، تحت شعار محاربة داعش هذه المرة !!
ما كانت حماس تحتاج (لدحش اسم داعش) في رسائل التهديد التي تركها المجرمون لمناضلي وقادة فتح، فالإرهاب والهمجية وجهان لأعداء الانسانية والوطنية، وما فعلته حماس منذ انقلابها حتى اليوم، يثبت ضلوعها في مخطط تمزيق النسيج الوطني، وتحطيم ركائز المشروع الوطني الفلسطيني، ومنع قيام دولة فلسطينية عبر تكريس انقسام سياسي، تسعى لتعميقه ليصل الى جذور الثقافي والاجتماعي. فالأهم بالنسبة لحماس واسرائيل تفكيك عناصر الهوية الوطنية الفلسطينية، وضرب رموزها، وتحويل الصراع من صراع وطني فلسطيني مع دولة الاحتلال، الى صراع داخلي بين جماعات وتنظيمات ارهابية، ليقف نتنياهو او من يأتي بعده رئيسا لحكومة دولة الاحتلال ليقول للعالم: ألم نقل لكم ان الشعب الفلسطيني، وفلسطين ليست إلا اسما على اليافطة كما نطقها اوفير جندلمان المتحدث باسم نتنياهو!!.
تفجير المنصة ومنازل قيادات حركة فتح ليس لتعطيل المهرجان المركزي لاحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد ابو عمار وحسب، بل نرى ابعاد هذا الارهاب العميقة بوضوح، اولها منع الفلسطينيين تحديدا في قطاع غزة من الاعتزاز بهويتهم الوطنية وانتمائهم القومي، تحديدا بعد انتصار الثورة المصرية في الثلاثين من يونيو، وهزيمة مشروع الاسلام السياسي المضاد والمعادي للوطنية من اصلها، فإحياء ذكرى رمز الوطنية الفلسطينية التحررية القومية الانسانية بمفاهيمها المعاصرة أشد وطأة عليهم وعلى دولة الاحتلال اسرائيل، المتهم بعض مسؤوليها الكبار باغتيال رئيس الشعب الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات.
التفجيرات، واتهام داعش، وخلط الحابل بالقنابل، يحقق حلم دولة الاحتلال التي هالها نجاة الأراضي الفلسطينية وتحديدا في الضفة الفلسطينية، من حريق الاقتتال الطائفي والعرقي والمذهبي، وعدوى انهيار معنى الدولة والوطن في الوعي الفردي والجمعي في اقطار عربية مجاورة او بعيدة، فهذا الواقع تسعى اسرائيل لرؤيته حقيقة واقعة لتبرر للعالم استمرار احتلالها لأرضنا واغتصاب وطننا حتى في وعينا.