الصحافة الاقتصادية المحلية والدعاية المجانية- عمار جمهور
تعمل الصحافة الاقتصادية على أنسنة الأشكال الإعلامية، وذلك بغرض إعطائها طابعاً إنسانياً يجذب القارئ العادي للانخراط والاندماج في قراءة الصفحات الاقتصادية، كما تعمل أنسنة الأخبار الاقتصادية على وضع المضمون الاقتصادي في إطار سلس يسهل فهمه من قبل الجماهير العريضة. ومن الأهمية بمكان أن تجد الصحف طرقاً وسياسات سلسلة تمكن من كسر الاحتكار في قراءة الصفحات الاقتصادية لما قد تتضمنه من أخبار قد يكون من المفيد معرفتها من قبل القارئ لحظة وقوعها.
إن أهم ما يميز الأخبار الاقتصادية هو العامل الزمني وارتباط القيمة الموضوعية للخبر بالعامل الزمني، فعند استعرض أسعار الأسهم يكون من المهم أن تعرف قيمتها في وقت محدد، فالمعلومة الاقتصادية التي تحمل في ثناياها قيمة مادية في لحظة تاريخية معينة لن تساوي بعد أي قيمة مادية في لحظة تاريخية لاحقة.
استطاع الإعلام الاقتصادي المحلي أن ينتزع مساحة لا بأس بها في الصحف وفي المواقع الإلكترونية، مكنته من أن يشكل أنموذجاً يستحق الفحص والدراسة. الصحف الفلسطينية اليومية الثلاث "القدس، الأيام، الحياة" تمكنت من أن تخصص صفحات تعنى بالاقتصاد، ووجدت لها جمهوراً ورواداً من القراء والمتابعين، وكذلك الحال بالنسبة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، وما زالت التجربة غير ناضجة بالحد ذاته في الإذاعات والتلفزيونات المحلية، فما تزال الأساليب التي تصاغ فيها الأخبار الاقتصادية تقليدية وضعيفة.
إن اتساع رقعة النقاشات الاقتصادية وتأثيرها على كافة شرائح المجتمع، وخلق مساحة كبيرة للحوار، وأثارت جملة من القضايا التي قد تبقى مدفونة لسنين دون معالجة، مكنت الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية، والزوايا الاقتصادية في المواقع الإخبارية الالكترونية من أن تحظى باهتمام كبير لدى المتابعين والقراء، فالقضايا الاقتصادية التي تثار تتحول من قضايا اقتصادية إلى قضية اجتماعية سياسية بامتياز، كونت مساحة كبيرة من الرأي العام، والتجاذبات السياسية، دون أن تقدم لنا الأثر الاقتصادي لاكتشاف هذه الظاهرة، وهنا يظهر لنا بأن الصحافة الاقتصادية تشكل أنموذجاً متخصصاً يصاغ في إطار إعلام الاقتصاد الاجتماعي في أغلب الأحيان.
ويعد من الأهمية بمكان في هذا السياق التمييز بين المواضيع الاقتصادية ذات المضمون الإعلامي، والمواد الصحفية الاقتصادية الأخرى التي تنشر بغرض تحقيق دعاية مجانية للشركات أو للأشخاص، فمثلا عندما ينشر خبر عن شركة معينه يفيد بأنها حققت إنجازاً معيناً، أو قدمت خدمة، أو تبرعاً ما، يعد في حقيقية الأمر وفي أغلب الأحيان إعلان تجارياً مجانياً، وما يميزه بأنه قد لا يكون مدفوع الأجر مثل الإعلان التجاري، وفي أحيان أخرى قد تكون هذه الأخبار والتقارير الصحفية الاقتصادية مدفوعة الأجر. وما يميز هذا النوع من التوجه الإعلامي هو أن هذه الأخبار أو التقارير تحقق نجاحاً في جلب القراء والمستهلكين، وتحقق الهدف المرجو من الدعاية والإعلان المجاني من خلال أشكال صحفية معينة، أكثر مما تحقق الإعلانات التجارية الواضحة المنشورة في الصحف، والمجلات الإعلانية.
وفي هذا السياق تبرز جدلية بسيطة في الإعلام الاقتصادي المحلي تتمثل في آلية تخصيص مساحة لتضمين صورة لخبر اقتصادي معين، على حساب خبر آخر، بطريقة قد لا تكون مبررة في أبرز الأحيان، وعلى سبيل المثال ترى صورة لخبر عن تبرع إحدى الشركات بمبلغ أو بهدية بقيمة قد لا تصل لنصف التكلفة التي بلغت عند تجهيز مدرسة معينة أو مركز صحي. ومع ذلك تشطب صورة خبر افتتاح المدرسة، والذي قد تكون صورة لقص الشريط أو للمدرسة نفسها ويبقى الخبر يتيماً، أما عندما يتعلق الموضوع بشركة أو بنك يقوم بمنح جائزة لفائز معين، فإن الصورة ترفق وكأن إنجازاً نوعياً قد حصل من خلال تضمين وتركيز الصورة. إن تجاهل جزء من الانجازات الاقتصادية الوطنية، وعدم إعطائها الحق المطلوب مقارنة بانجازات القطاع الخاص، يثير جملة من التساؤلات المهمة.
ينطبق نموذج الدعاية المجانية بوضوح تام عندما تقرأ تحقيقاً أو تقريراً عن سلعة معينة، أو عن خدمة معينة قد يكون عدم الحديث عنها، أو أن يكون الحديث عادياً وسطحياً لا يحمل في مضمونه قيمة حقيقية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فما الهدف مثلاً من إعداد تقرير عن"توصيل النرجيلة للبيوت" سوى عمل دعاية مجانية بامتياز؟ ولماذا يتم دفع مبالغ مالية مقابل نشر بعض التقارير ولا يتم الإشارة إليها بوضوح على أنها إعلانات مدفوعة الأجر.
وفيما يتعلق بالدعايات الشخصية المجانية، تبرز عدة تساؤلات: فما هي المقاييس والمعايير التي تتم لاختيار المحللين وخبراء الاقتصاد لإجراء المقابلات معهم؟ أو منحهم مساحة مجانية لسماع تحليلاتهم الشخصية التي قد لا تستند في بعض الأحيان إلى مواقف علمية مدروسة ومهنية؟. والسؤل هنا كيف يستطيع أحد المحللين أو الخبراء الاقتصاديين أن يستنتج أن الثورات العربية لن تؤثر على القطاع الخاص الفلسطيني؟، ولماذا يتجاهل الخبراء الاقتصاديون الفلسطينيون، والصحافة الاقتصادية طرح موضوع التهرب الضريبي، وأثره المتوقع على الاقتصاد الفلسطيني؟ ولا يكفي تهرب القطاع الخاص من التزاماته الأخلاقية والقانونية "الضريبة" لكي يحصل في صحافتنا الاقتصادية على داعية إعلامية مجانية؟.
يجب على الصحافة الاقتصادية المحلية الآن أن تفتح بشفافية مطلقة ملف التهرب الضريبي، والذي يصل إلى قرابة 800 مليون دولار سنوياً للسلطة الوطنية من قبل القطاع الخاص، وأن تمارس سلطتها في كشف هذه الشركات التي تنمو وتكبر، على حساب المواطنين والموظفين في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
إن أهم ما يميز الأخبار الاقتصادية هو العامل الزمني وارتباط القيمة الموضوعية للخبر بالعامل الزمني، فعند استعرض أسعار الأسهم يكون من المهم أن تعرف قيمتها في وقت محدد، فالمعلومة الاقتصادية التي تحمل في ثناياها قيمة مادية في لحظة تاريخية معينة لن تساوي بعد أي قيمة مادية في لحظة تاريخية لاحقة.
استطاع الإعلام الاقتصادي المحلي أن ينتزع مساحة لا بأس بها في الصحف وفي المواقع الإلكترونية، مكنته من أن يشكل أنموذجاً يستحق الفحص والدراسة. الصحف الفلسطينية اليومية الثلاث "القدس، الأيام، الحياة" تمكنت من أن تخصص صفحات تعنى بالاقتصاد، ووجدت لها جمهوراً ورواداً من القراء والمتابعين، وكذلك الحال بالنسبة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، وما زالت التجربة غير ناضجة بالحد ذاته في الإذاعات والتلفزيونات المحلية، فما تزال الأساليب التي تصاغ فيها الأخبار الاقتصادية تقليدية وضعيفة.
إن اتساع رقعة النقاشات الاقتصادية وتأثيرها على كافة شرائح المجتمع، وخلق مساحة كبيرة للحوار، وأثارت جملة من القضايا التي قد تبقى مدفونة لسنين دون معالجة، مكنت الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية، والزوايا الاقتصادية في المواقع الإخبارية الالكترونية من أن تحظى باهتمام كبير لدى المتابعين والقراء، فالقضايا الاقتصادية التي تثار تتحول من قضايا اقتصادية إلى قضية اجتماعية سياسية بامتياز، كونت مساحة كبيرة من الرأي العام، والتجاذبات السياسية، دون أن تقدم لنا الأثر الاقتصادي لاكتشاف هذه الظاهرة، وهنا يظهر لنا بأن الصحافة الاقتصادية تشكل أنموذجاً متخصصاً يصاغ في إطار إعلام الاقتصاد الاجتماعي في أغلب الأحيان.
ويعد من الأهمية بمكان في هذا السياق التمييز بين المواضيع الاقتصادية ذات المضمون الإعلامي، والمواد الصحفية الاقتصادية الأخرى التي تنشر بغرض تحقيق دعاية مجانية للشركات أو للأشخاص، فمثلا عندما ينشر خبر عن شركة معينه يفيد بأنها حققت إنجازاً معيناً، أو قدمت خدمة، أو تبرعاً ما، يعد في حقيقية الأمر وفي أغلب الأحيان إعلان تجارياً مجانياً، وما يميزه بأنه قد لا يكون مدفوع الأجر مثل الإعلان التجاري، وفي أحيان أخرى قد تكون هذه الأخبار والتقارير الصحفية الاقتصادية مدفوعة الأجر. وما يميز هذا النوع من التوجه الإعلامي هو أن هذه الأخبار أو التقارير تحقق نجاحاً في جلب القراء والمستهلكين، وتحقق الهدف المرجو من الدعاية والإعلان المجاني من خلال أشكال صحفية معينة، أكثر مما تحقق الإعلانات التجارية الواضحة المنشورة في الصحف، والمجلات الإعلانية.
وفي هذا السياق تبرز جدلية بسيطة في الإعلام الاقتصادي المحلي تتمثل في آلية تخصيص مساحة لتضمين صورة لخبر اقتصادي معين، على حساب خبر آخر، بطريقة قد لا تكون مبررة في أبرز الأحيان، وعلى سبيل المثال ترى صورة لخبر عن تبرع إحدى الشركات بمبلغ أو بهدية بقيمة قد لا تصل لنصف التكلفة التي بلغت عند تجهيز مدرسة معينة أو مركز صحي. ومع ذلك تشطب صورة خبر افتتاح المدرسة، والذي قد تكون صورة لقص الشريط أو للمدرسة نفسها ويبقى الخبر يتيماً، أما عندما يتعلق الموضوع بشركة أو بنك يقوم بمنح جائزة لفائز معين، فإن الصورة ترفق وكأن إنجازاً نوعياً قد حصل من خلال تضمين وتركيز الصورة. إن تجاهل جزء من الانجازات الاقتصادية الوطنية، وعدم إعطائها الحق المطلوب مقارنة بانجازات القطاع الخاص، يثير جملة من التساؤلات المهمة.
ينطبق نموذج الدعاية المجانية بوضوح تام عندما تقرأ تحقيقاً أو تقريراً عن سلعة معينة، أو عن خدمة معينة قد يكون عدم الحديث عنها، أو أن يكون الحديث عادياً وسطحياً لا يحمل في مضمونه قيمة حقيقية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فما الهدف مثلاً من إعداد تقرير عن"توصيل النرجيلة للبيوت" سوى عمل دعاية مجانية بامتياز؟ ولماذا يتم دفع مبالغ مالية مقابل نشر بعض التقارير ولا يتم الإشارة إليها بوضوح على أنها إعلانات مدفوعة الأجر.
وفيما يتعلق بالدعايات الشخصية المجانية، تبرز عدة تساؤلات: فما هي المقاييس والمعايير التي تتم لاختيار المحللين وخبراء الاقتصاد لإجراء المقابلات معهم؟ أو منحهم مساحة مجانية لسماع تحليلاتهم الشخصية التي قد لا تستند في بعض الأحيان إلى مواقف علمية مدروسة ومهنية؟. والسؤل هنا كيف يستطيع أحد المحللين أو الخبراء الاقتصاديين أن يستنتج أن الثورات العربية لن تؤثر على القطاع الخاص الفلسطيني؟، ولماذا يتجاهل الخبراء الاقتصاديون الفلسطينيون، والصحافة الاقتصادية طرح موضوع التهرب الضريبي، وأثره المتوقع على الاقتصاد الفلسطيني؟ ولا يكفي تهرب القطاع الخاص من التزاماته الأخلاقية والقانونية "الضريبة" لكي يحصل في صحافتنا الاقتصادية على داعية إعلامية مجانية؟.
يجب على الصحافة الاقتصادية المحلية الآن أن تفتح بشفافية مطلقة ملف التهرب الضريبي، والذي يصل إلى قرابة 800 مليون دولار سنوياً للسلطة الوطنية من قبل القطاع الخاص، وأن تمارس سلطتها في كشف هذه الشركات التي تنمو وتكبر، على حساب المواطنين والموظفين في القطاعين العام والخاص على حد سواء.