حكمة وواقعية اللجنة القيادية لفتح بغزة في إلغاء مهرجان الذكرى العاشرة - د.مازن صافي
في هذا اليوم الحزين 11/11 /2014، حيث الذكرى العاشرة لاستشهاد أبو الثوار والوطنية الرمز ياسر عرفات "أبو عمار"، تابعت لقاء الدكتور زكريا الأغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مفوض عام التعبئة والتنظيم في المحافظات الجنوبية "قطاع غزة" والذي عُرض عصر اليوم عبر فضائية فلسطين، وقد أخذنا إلى ذكرياته مع الرئيس أبو عمار، واستذكر مواقف فارقة في حياة الرمز الشهيد، وركز على عنوان هام وهو أهمية الوحدة والهوية الفلسطينية، وكان رائعا وهو يشيد بمقال د.أحمد يوسف القيادي في حركة حماس وتمنى أن يحذو الجميع حذو هذا الرجل المفكر والوحدوي.
لقد عشنا الأسبوعين السابقين ونحن نتابع الأخبار تلو الأخبار حول إمكانية تنظيم مهرجان يليق بياسر عرفات في مدينة غزة التي عشقها والتي في دفن في ثراها والده وأخته، ولازالت شقيقته الكبرى الحاجة خديجة عرفات تعيش هنا ومعنا وتشارك في المناسبات المختلفة .
و لقد سعدنا جميعا حين تأكدنا أن غزة سوف تحتضن المهرجان المركزي لإحياء الذكرى العاشرة لشهيد الكل الفلسطيني، وكان هذا قرار من الأخ الرئيس محمود عباس أبو مازن، واللجنة المركزية، ولكن وقبل 72 ساعة من المهرجان، كانت غزة على موعد مع مفاجأة عنيفة لم يتوقعها أحد.
المهرجان كان سيتم في ظل التفاؤل بالانفراج في الوحدة الوطنية وبحضور رئيس الوزراء لحكومة التوافق د.رامي الحمد الله ووزراء من الحكومة، والكثير من قيادات حركة فتح والفصائل وكان ذلك سيكون رافعة أمل وتفاؤل وطني عام، وبالرغم من أن الجماهير قد وصلها القلق حتى قبل حدوث التفجيرات، لكنها كانت في نفس الوقت كانت تستعد لتزيين وترتيب ساحة الكتيبة، ولكن التفجيرات التي سبقت المهرجان والتي وصلت رسائلها إلى بيوت الأمنيين من قياداتنا الفتحاوية من عضو اللجنة المركزية إلى عضو الثوري إلى المحافظين إلى أعضاء أقاليم وقيادات فتحاوية أخرى وازنة، قد أفسدت كل شيء، وبدأت التحليلات تأخذ مجراها وقوتها، وشيء في العمق قد تمزق، وغضب سرى في نفوس الجماهير كان واضحا، حتى توالت الأحداث، وصممت القيادة على تنظيم المهرجان في التوقيت والمكان المعد سابقا، ووصلت بعد ذلك رسائل التهديد بتحول الكتيبة إلى "حمراء"، ودخلت غزة في منعطف خطير، لا يجوز فيه تحكيم العاطفة والرغبة والابتعاد عن الحكمة والمنطقية وسلامة الجميع ولكي لا تفاقم الأمور ولا يحدث أيضا ما هو غير متوقع وتكون هناك كارثة لا تفارق ذاكرتنا وتتزامن مع ذكرى غياب الشهيد ابوعمار، وبعد مداولات معمقة وتواصل مباشر مع الأخ الرئيس أبومازن، واللجنة المركزية ومشاورات مختلفة، تم إلغاء المهرجان .
ومع إلغاء المهرجان، ظهر الواقع الفلسطيني في مواجهة نفسه، وبدأ الحزن والغضب على وجوده الآلاف، وحمَّل البعض اللجنة القيادية مسؤولية الإلغاء وأنها لم تصمد وأنها كان يجب أن تُبقى على المهرجان، وأمور كثيرة لا تخرج عن مسارات العاطفة بكل تفرعاتها، وهي العاطفة المطلوبة كحافز ولكن يجب أن يكون هناك حكمة في القرار وقراءة واقعية لتسلسل الأحداث وما خلف الصورة القاتمة في ساعات سبقت انطلاق فعاليات المهرجان، وبالتالي تغليب العقل وعدم تغييبه.
أقول وبمصداقية وهذا رأي الشخصي كفتحاوي ومتابع للأمور ، لقد أصابت الهيئة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة في قرار إلغاء المهرجان، وفتح الباب للجماهير لإحياء الذكرى بالصورة التي تراها مناسبة، ولقد كان المفوض العام لحركة فتح في قطاع غزة د. زكريا الأغا، صادقا مع الجماهير ومع التخوفات ومع الواقع الفتحاوي والفلسطيني، وتم إدارة الأمور بشكل مشرف وناجح، ولم يسجل في أي لحظة التخاذل أو الهروب من المسؤولية أو الجُبن، بل كان الوضوح ومشاركة الكل الفتحاوي قيادة وجماهير في القرار الحازم والمصيري، وظهرت القيادة الفتحاوية جميعها متناغمة مع بعضها البعض، وهنا نذكر أن مشاعرنا ستبقى فياضة بحب القائد الشهيد أبو عمار، وفتح لن تكون في امتحان أمام وفاء الجماهير، فمليونية الانطلاقة الــ48 لازالت حاضرة وستبقى، وفي نفس الوقت يجب على كل فتحاوي ووطني وفلسطيني الذي جرحته الأحداث الصعبة والمريرة والخارجة عن مسار وحدتنا الفلسطينية، ألا يكيل الاتهامات بالتقصير لأي كان، وبل يجب أولا على تنظيم حركة فتح أن يستمر في البناء التنظيمي بصورة متينة ومسؤولة، وأن تبدأ مسيرة التعبئة الفكرية وبناء المؤسسة الإعلامية، لكي ننتقل من العاطفة إلى المعرفة إلى البناء إلى التقدم إلى تحمل كل منا مسؤولياته في موقعه وفي دوره وفي البيت والمؤسسة والشارع والإطار .
وهنا نتذكر قول الشهيد الخالد الزعيم ياسر عرفات أبو عمار قبل قرار مغادرة القوات الفلسطينية من بيروت :" لو كانت بيروت القدس لقاتلت فيها حتي النهاية" وغادر بيروت واتجهت بوصلة العمل الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني الفتحاوي تجاه القدس وارض المعركة "فلسطين"، واختلف الكثيرين معه في القرار، ولكنه اختار بمشاركة القيادات الفلسطينية الحكيمة حكمة الخروج للحفاظ على فتح والثورة، واختارت قيادة فتح في غزة حكمة إلغاء المهرجان للحفاظ على دماء وكرامة أبناء حركة فتح ومكتسبات المصالحة الفلسطينية، وها نحن هنا في فلسطين واستشهد أبو عمار فوق ثراها وقد أوصى أن يدفن في القدس، وهذا ما أكده على تنفيذه القائد الرئيس أبو مازن خليفة ورفيق درب الشهيد أبو عمار، بألا يفرط في تراب القدس وان يكمل درب الدولة والعاصمة واستقلال القرار الفلسطيني والمحافظة على الثوابت والحفاظ على الوحدة الوطنية، وما أصدقها من كلمات يؤكد فيها على حفظ الوصية حين قال : " سنستمر في المسيرة حتى يعاد دفن رفيق الدرب في القدس الشريف" .
فتح باقية وذكرى أبو عمار باقية وبعد أيام موعدنا مع الذكرى الـ26 لإعلان الدولة، وأيضا بعد أسابيع ذكرى الانطلاقة الخمسين للثورة الفلسطينية، وفي نهاية هذا الشهر نحن على موعد مع معركة القيادة السياسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، والقدس ثائرة في وجه الاحتلال ترفض أن يعاد احتلالها من جديد أو تتحول كلها إلى مستوطنة وثكنة عسكرية وان تقسم القدس زمانيا ومكانيا، والأيام القادمة حُبلى بالكثير من التطورات والتحديات، لهذا فمعركتنا في القدس ومع الاحتلال ومع كل من يريد أن يدمر وحدتنا الفلسطينية .
وأخيرا، نقول كان قرار إلغاء فعالية مهرجان الوفاء والوحدة الوطنية في الكتيبة صائبا وحكيما، ويسجل إيجابا لقيادة غزة وعلى رأسها د. زكريا الأغا "أبو عمار" ولا يسجل عليها، وهو نجاح حقيقي في إدارة أزمة طارئة ومعقدة ومتشعبة ومتدحرجة، فالإلغاء حقن الدماء التي كانت يمكن أن تسيل أو حدوث كارثة الجميع في غِنى عنها ولا نتمناها.
وعلينا أن نتذكر قوله تعالى " إنا كل شيء خلقناه بقدر"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" .