القدس.. والرئيس والملك - موفق مطر
اثمرت توجهات وحركة القيادة الفلسطينية مع قيادة المملكة الاردنية الهاشمية اتفاقا لنزع فتيل انفجار ما كان لأحد القدرة على توقع نتائجه وتداعياته، خاصة مع اصرار حكومة دولة الاحتلال على صب الزيت على لهب التعصب والتطرف الديني، ونجحت بإطفاء حريق حرب دينية، كان المعنيون بإشعالها في حكومة نتنياهو يتهيأون للرقص على ايقاع طبولها، ويحضرون الكؤوس ليشربوا نخب الدماء البريئة المسفوكة !!.
أجاز رئيس الشعب الفلسطيني ابو مازن للفلسطينيين والمقدسيين خصوصا الدفاع عن مقدساتهم المسيحية والإسلامية، ومقاومة غزو المستوطنين لمقدساتهم، ومنعهم من فرض امر التقسيم الزماني والمكاني للحرم االقدسي والمسجد الأقصى، فاتهمه نتنياهو بالتحريض على ايذاء اليهود !!! رغم علمه ويقينه بايمان الرئيس محمود عباس بالتعايش والسلام بين اتباع العقائد السماوية، وتكاملها الحضاري والثقافي، لكنه – أي نتنياهو- يبحث عن مبررات حتى لو كانت من نوع الضحك على الذات، لتبرير هجوم حكومته المبرمج على الرئيس ابو مازن معتبرا اياه "اخطر فلسطيني على وجود اسرائيل" !.
ادرك الرئيس ابو مازن مبكرا نوايا حكومة دولة الاحتلال وتوجهاتها، فعمل بكل الاتجاهات لحماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في العاصمة المحتلة (القدس )، وطبق منهج وقاعدة العمل العربي المشترك، فابرم اتفاقا مع الملك عبد الله الثاني قائد المملكة الاردنية الهاشمية يؤكد مسؤولية المملكة عن المقدسات في المدينة المقدسة، مستندا في ذلك - كما نعتقد – على حرص المملكة الاردنية الشقيقة الحفاظ على ارث سياسي وثقافي وحضاري مهم، وبدور وواجب عظيم في حماية المقدسات، باعتبارها توأم دولة فلسطين وشريك رئيس في حماية المقدسات، وبحكم الايمان بمبدأ المصير المشترك، ونظرا لمسؤولية المملكة في فترة تاريخية مهمة عن هذه المقدسات، آخذا بالاعتبار حاجة اسرائيل لديمومة اتفاقية السلام مع المملكة – على الاقل في الظروف الراهنة – وأهمية استقرار اطول جبهة مع دولة عربية، في ظل توسع دوائر الاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي في اقطار عربية مجاورة، وتفكك دول عربية واحتلال تنظيمات ارهابية لمواقع متقدمة وإستراتيجية فيها !.
وأدرك الملك الهاشمي عبد الله الثاني بحس المسؤولية التاريخية ان اللحظة لا تحتمل اقل من المواقف والإجراءات العملية لإنقاذ اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، خاصة أن الاردنيين والفلسطينيين والعرب والمسلمين يقرون للأردن بالمسؤولية التاريخية، وينتظرون من الملك قرارات بمستوى الأمانة، فاستدعت المملكة سفيرها في تل ابيب، وعلى الفور هدد وزراء في حكومة نتنياهو المملكة وذكروا الملك عبد الله بعدوان الخامس من حزيران من العام 1967.
ما زال غرور العظمة مسيطرا على قادة دولة الاحتلال السياسيين والعسكريين، وما زالوا يطبقون نظرية ارهاب وتخويف وتهديد الرؤساء والملوك العرب..لكنهم حتى اللحظة لم يدركوا فشل هذه التجربة مع رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس والملك الهاشمي الاردني عبد الله الثاني، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالمقدسات، فالزعيم عندنا ملكا كان او رئيسا قد يذهب الواقعية والعقلانية الى أبعد الحدود عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية، اما تلك المخاطر المهددة للمقدسات فان الرئيس والملك يجسمان العقلانية والواقعية بقرار اللحظة الحاسمة التي لا مجال فيها للتفكير مرتين بقرار وإجراء حماية المقدسات، فهذه وان خضع قرار حمايتها والحفاظ عليها كما ورثناها من التاريخ على مبدأ احترام كرامة الانسان وقيمته، وحقه غفي الحياة، فانه خاضع بالدرجة الأولى بالحفاظ على روح الشخصية الوطنية والهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، والأمة العربية، حيث لا يجوز وضع هذا القرار في حسابات الربح والخسارة، او الظروف والواقع، والبيئة والمناخ السياسيين، لأن مجرد سقوط مركز ثقل البناء الوطني والعقائدي والثقافي الحضاري، تنهار معها مقومات الوطن، أي الشعب والأرض والدولة ( القانون).
وصلت رسالتا الرئيس ابو مازن والملك عبد الله الثاني للبيت الأبيض صريحة واضحة،فسارع كيري لجلب نتنياهو الى عمان حيث الرئيس والملك يعملان لحظة بلحظة، وخطوة بخطوة على اقناع العالم بمسعى حكومة نتنياهو لإشعال الحرب الدينية ليس في المنطقة وحسب، بل في العالم، ابتداء من باحات ومصلى ومنبر المسجد الأقصى، فعاد الى تل ابيب وفي نفسه اقرار أن للأقصى شعباً فلسطينياً وشقيقاً أردنياً ورئيساً وملكاً أوفياء.