الذكرى ال 28 لوثيقة لاستقلال - عمر حلمي الغول
ثمانية وعشرون عاما مرت منذ الاعلان عن وثيقة الاستقلال في الجزائر، والشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية وقواه السياسية تواصل مشوار الكفاح التحرري لنيل الحقوق الوطنية وفي مقدمتها بناء الدولة المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967؛ وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194.
جاءت ويثقة اعلان الاستقلال إستمرارا لاهداف ومسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي انطلقت في الاول من يناير 1965، وتتويجا لكفاح الشعب، وتعميدا للتضحيات الجسام، التي قدمها الفلسطينيون طيلة عقود الصراع مع الحركة الصهيونية وقاعدتها الاستعمارية دولة العدوان والاحتلال الاسرائيلية.
ولم يكن اعلان وثيقة الاستقلال في الخامس عشر من نوفمبر 1988 صدفة، بل تجسيدا لارادة الشعب، التي تجلت باروع اشكالها في الانتفاضة الكبرى 1987/1993، ورسمت ملامح المستقبل عبر إتساع دائرة الاعتراف الاقليمي والدولي بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، والقناعة الراسخة بضرورة ازالة الاحتلال الاسرائيلي، الذي تعرى امام العالم كاداة قهر وحشية، كونه آخر احتلال في العالم، ولتعميم سياسة التعايش بين شعوب المنطقة، وفتح الافق امام التنمية لكل الشعوب فيها وخاصة الشعب الفلسطيني، الذي دفع الثمن غاليا طيلة عقود خمسة (آنذاك حين الاعلان عن الوثيقة) طويلة من الصراع الدامي.
الشعب الفلسطيني صاحب الارض، والمتجذر فيها، ورغم تعثر مسيرته في بلوغ هدف الحرية والاستقلال والعودة نتيجة رفض دولة التطهير العرقي الاسرائيلية لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، مازال ممسكا بزمام الامور، ومصرا على تحقيق اهدافه الوطنية، ولم ينكفأ ولم يتراجع قيد انملة عن تلك المصالح العليا، مما دفع دول العالم في قاراته الخمس على توسيع نطاق الاعتراف بدولته، والاقرار بحقه في تقرير المصير بنفسه. وتجلى ذلك مجددا في رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 2012، حيث حصل على اعتراف 138 دولة، وال 44 دولة الممتنعة عن التصويت، لم تكن ضد الاعتراف، ولكن لاعتبارات سياسية تلازمت مع تلك اللحظة، غير ان الباب بات مفتوحا الان امام دول الاتحاد الاوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، الذي دشنته السويد الشهر الماضي، وقادم الايام والاسابيع سيحمل توسيعا للاعتراف من قبل دول اخرى، ولعل الاعترافات الرمزية البريطانية والايرلندية ولاحقا الفرنسية والاسبانية وغيرها من الدول، يشكل إقرارا بضرورة إستقلال دولة فلسطين، ورحيل الاحتلال الاسرائيلي البغيض.
في الذكرى ال28 لاعلان وثيقة الاستقلال تملي الضرورة تعزيز اواصر الوحدة الوطنية، وارتقاء الكل الفلسطيني لمستوى المسؤولية لحماية الاهداف والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوقف قادة حركة حماس عن سياسة التعطيل لخيار المصالحة، ولجم كل القوى المعادية في اوساطها من خلال التصدي لهم، وكشف الغطاء عنهم امام الشعب لمحاكمتهم، واعتبارهم خطر حقيقي على السلم الاهلي، وعلى المشروع الوطني برمته، والكف عن التخندق في خيار الاخوان المسلمين، المتناقض مع مصالح حماس والفلسطينيين عموما، والمضي قدما لتفعيل دور حكومة التوافق الوطني، ومنحها الفرصة لكي ترمم الجسور بين جناحي الوطن، ودعم توجهات القيادة الشرعية برئاسة الرئيس ابو مازن، وتضميد جراح المواطنين في قطاع غزة، الذين نكبوا بحروب اسرائيل الوحشية، وآخرها حرب ال51 يوما في أغسطس وسبمتبر الماضي، وتعزيز عوامل الصمود لمواجهة التحديات الاسرائيلية.
في الذكرى ال 28 لاعلان وثيقة الاستقلال، التي تلاها الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات في المجلس الوطني في الجزائر، يؤكد الفلسطينيون تمسكهم ببرنامج الاجماع الوطني، حتى تحقيقها كاملة غير منقوصة. وعلى حكومة نتنياهو ان تعي جيدا، انه لا خيار امامها سوى الاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، والانسحاب الكامل من اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 67، إن شاءت السلام والخروج من نفق العنف والحروب.