التهدئة لا تكفي- حافظ البرغوثي
أستغرب التصريحات الاسرائيلية التي تحمّل الجانب الفلسطيني مسؤولية ما يحدث في القدس المحتلة، وكأن القدس قارة معزولة عما حولها وان أهل القدس ليسوا فلسطينيين ولا علاقة لهم بما يحدث في أرضها وبيوتها وأبنائها من جور وظلم وما يحدث لمقدساتها من انتهاكات يومية .. نستغرب اللهجة الاسرائيلية المزلزلة التي يخرج بها زعماء الاحزاب المشاركة في الحكومة الاسرائيلية وكبار دعاة الاستيطان منذ سنوات، ففي غياب لغة الحوار وغياب المفاوضات وتحت جنازير الجرافات الاستيطانية لا يمكن الحديث عن هدوء لأن لا أحد يعمل نحو التهدئة الحقيقية لأن التهدئة ليست أحادية بل ثنائية ولها شروطها التي تدوسها أقدام من ينتهكون المقدسات يوميا والجرافات التي تأكل الارض والسماسرة الذين يزورون عمليات البيع والشراء للجماعات الاستيطانية، فالهجوم الاستيطاني على القدس وما يرافقه من صيحات دينية يهودية تصم الآذان يوميا هو نذير حرب وشؤم وعنف، ولعلنا لا نريد سرد وقائع دموية سابقة في الحرم الابراهيمي والمسجد الاقصى عبر هذه السنين لكن لا يمكن القول ان مجزرتي الحرمين الابراهيمي والأقصى في التسعينيات كانتا برصاص مستوطنين، فالفلسطيني لم ينتهج هذا وانما علمه ذاك.
عودة الى التحذير من الحرب الدينية التي تتأجج يوميا دون ان تجد من يكبح جماحها .. فلا حكومة اسرائيل جدية في منع تأجيجها ولا جماعات الاستيطان مكتفية بما حازت عليه من غنائم مسروقة من الارض والبيوت والمباني في القدس وغيرها .. وعندما يستفرد الاحتلال بالقدس قتلا واستيطانا واعتقالا وتنكيلا، فانه يلمس ان العمليات وكلها فردية تتم بما يتوفر من سيارات وجرافات وأسلحة بيضاء، فهي هجمات انتقامية فردية غير منظمة حتى لو ادعت فصائل مسؤوليتها من موقع التأييد والاستحواذ وكسب الشهرة ليس الا، ومثل هذه الاعمال لا يمكن وقفها لأنها ردة فعل وقتي وليست مخططة سلفا.
الاحتلال هو من يتحمل المسؤولية وهو يدفع باتجاه اثارة المشاعر الدينية في كلا الاتجاهين، ولعلنا سبق وحذرنا من مخاطر الحرب الدينية لأنها بعكس غيرها لا تبقي ولا تذر وتحرق الجميع، ولهذا فان جهدا متوفرا يجب ان يدفع باتجاه ازالة أسباب التوتر والعنف في القدس وهي معروفة وايضا الدفع باتجاه المفاوضات على أسس معروفة ايضا .. وما عدا ذلك فان البديل هو العنف المتبادل الى ما لا نهاية ومآله الى انفجارات أسوأ.