فلسطين في قلب العالم- عمر حلمي الغول
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي اقرته الاأمم المتحدة عام 1977، جاء ليشكل نوعا من الاعتذار العالمي عن النكبة والمآسي، التي لحقت به على مدار عقود الصراع مع إسرائيل، التي حالت بسياساتها الاستيطانية وعدوانيتها المتواصلة والمدعومة من الغرب الرأسمالي خاصة الولايات المتحدة الاميركية دون تحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق القرار الدولي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947. وايضا لتجاهل الهيئة الدولية الاولى البعد السياسي للقضية الفلسطينية طيلة عقدين طويلين من الزمن قبل انطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع يناير 1965.
ويمر هذا اليوم هذا العام في لحظة سياسية حرجة ومعقدة، تلقي بظلال رمادية كثيفة على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 نتاج القوانين والسياسات والانتهاكات والجرائم الاسرائيلية، التي تنضح من وعاء العنصرية والفاشية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين بغض النظر عن ديانتهم او معتقداتهم او انتماءاتهم الفكرية والسياسية والحزبية او مكان تواجدهم إن كان داخل الخط الاخضر او داخل حدود دولة فلسطين المحتلة عام 67 او في الشتات.
ولعل إقرار حكومة نتنياهو للقانون العنصري الأخير " إسرائيل دولة "الشعب" اليهودي القومية " والقوانين والقرارات الاجرائية الاسبوع الماضي المتضمنة تصعيدا خطيرا في اشكال العقاب الجماعي ضد ابناء الشعب الفلسطيني (سحب الهوية، واسقاط الجنسية، والغاء التأمين الوطني، والترحيل، وهدم البيوت والاعتقال لمدد زمنية طويلة تصل لعشرين عاما في حال القى اي مواطن حجراً على جنود ومستوطني دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية... إلخ) يكشف الابعاد الخطيرة لتلك السياسات المتدحرجة نحو ترسيم الدولة العنصرية الفاشية كليا، والدافعة بشكل منهجي لعودة إسرائيل لهدف الحركة الصهيونية التاريخي: "أرضك يا إسرائيل من النيل للفرات!" وشعارها الناظم: "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض!" والتراجع الكلي عن خيار السلام، وتشييع خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والتراجع بشكل منظم عن اتفاقيات اوسلو، التي شكلت تحولا ايجابيا بالمعايير النسبية لجهة الاعتراف بمنظمة التحرير والشعب الفلسطيني، والقبول المبدئي باقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67. لأن تلك الاتفاقيات باتت نسيا منسيا، دون أثر يذكر سوى ذكرى توقيعها.
مع ذلك، تشهد القضية الفلسطينية تعاظما في التأييد الدولي، وارتقاء العديد من دول العالم إلى مستويات جديدة من المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته ودولته، حيث اخذت دول الاتحاد الاوروبي خطوة للامام بين الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية (السويد) وبين الاعتراف الرمزي (بريطانيا، ايرلندا واسبانيا) وعموم الدول الاوروبية، التي لم تعترف حتى الآن، تسير جميعها على الطريق. وايضا مجموع القرارات الاممية، الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة سنويا، واتساع دائرة التضامن الاممي، جميعها تشير الى ان فلسطين في قلب العالم. وإسرائيل تتجه بشكل جلي نحو العزلة والتقوقع على الذات، ولولا الولايات المتحدة الاميركية وسياساتها الخاطئة والمتناقضة مع مرجعيات السلام ومواثيق وقوانين الشرعية الدولية، التي تتساوق وتغطي على جرائم اسرائيل، لأمكن للعالم وشرعيته الأممية تحقيق التسوية السياسية الممكنة والمقبولة من شعوب المنطقة والارض خاصة الشعب الفلسطيني. إلا ان ذلك، لن يؤثر في تعاظم التأييد الدولي لحقوق واهداف الشعب الفلسطيني، وسيشكل في قادم الأيام رافدا قويا من روافد صناعة السلام.
oalghoul@gmail.com