اسرائيل عارية رغم عربدة القوة - يحيى رباح
حتى في وسط قلاع اليمين الاسرائيلي، حتى في وسط (الليكود) نفسه الذي يتزعمه نتنياهو، فان رئيس وزراء اسرائيل لم ينجح في اقناع الجميع بتوجهاته نحو هذه البدعة الجديدة المسماة بيهودية الدولة، لان السؤال الذي يطرح نفسة بقوة في وجه نتنياهو وائتلافه المؤيد له الذي يتغذى على اخطائه واندفاعاته الجنونية يقول: لماذا بعد قرابة سبع وستين سنة على قيام دولة اسرائيل يريد نتنياهو إعادة تعريف الدولة؟ هل معنى ذلك ان كل ما مضى كان فاشلا، وكل ما تحدث عنه المؤسسون للوكالة اليهودية والدولة الاسرائيلية كان وهما، وان اسرائيل بحاجة ملحة الآن الى انقاذ طارئ من خلال اعادة تعريفها؟
وكل هذه الاسئلة الصعبة ناتجة في الاساس عن فشل نتنياهو والذين معه ويستغلون ابشع استغلال، في الاستجابة ولو بالحد الادنى للحقائق الكبرى التي لا يمكن طمسها، واول هذه الحقائق هي رسوخ الوطنية الفلسطينية ومضامينها في العالم، واستحقاق الوطنية الفلسطينية لكل حقوقها، وان الهروب الاسرائيلي من هذه الحقائق يسبب آلاماً وخسائر اضافية، لكنه بالمقابل يؤكد ان الشعب الفلسطيني بكامل هويته وحقوقه الاساسية غير القابلة للتصرف كان دائماً موجوداً، ومبرراً، ومتناغماً مع المسار التاريخي للمنطقة والعالم، وان منكري هذه الحقوق اعتماداً على عربدة القوه، هم وحدهم الذين يراكمون الفشل، ويتحملون مسؤولية التدهور، وان مسار التاريخ في هذه المنطقة لا يمكن ان يكون وفق مشيئتهم.
واذا كان نتنياهو لا يستطيع ان يقنع مساحات واسعه من الرأي العام الاسرائيلي فكيف يطمح الى اقناع الرأي العام الدولي من خلال هذه الانتقادات الحادة والتهديدات المبطنة التي يطلقها ضد كل من يرسل اشارة ايجابية بامكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية؟ وكان نتنياهو واعضاء ائتلافه الملتصقون به من يملكون ويحتكرون الحقيقة ولديهم القدرة على الاستمرار ضد التاريخ ورغم انف التاريخ.
بعد ثلثي قرن على قيام اسرائيل يريد نتنياهو اعادة تعريفها، حسناً، هذ اعتراف بالفشل، وهذا اعتراف بفشل وجودي، وجميع الاطراف الاخرى في المنطقة والعالم ليست ملزمة ان تقرأ الواقع بعيون نتنياهو، فهناك قراءات متعدده لهذه الاحجية التي يطرحها نتنياهو من جديد وهي يهودية الدولة، فماذا كانت اسرائيل قبل ذلك؟ وهل اذا قام نتنياهو باعادة تعريف اسرائيل على هذ النحو الذي يسعى اليه يصبح قرابة مليون ونصف المليون مواطن اسرائيلي من اصل فلسطيني، عربي، اصحاب البلاد الاصليين، هل يصبحون خارج الدولة؟ وهل يصبح الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية منذ عام 1967م مبرراً ومقبولاً وشرعياً وراسخاً؟ هذه هي الخطيئة الكبرى التي ينحدر اليها نتنياهو مستسلماً لما يعرف باسم (اغراء القوة)! مع ان القوة مهما بلغت تبقى عاملاً متغيراً في الزمان والمكان، بل ان نتنياهو الذي ينتقد ويهدد ويعربد ينسى ان اسرائيل ما كان لها ان تكون موجودة لولا هؤلاء الذين ينتقدهم ويهددهم، فقد صنعوها ذات يوم من وحي مصالحهم الاستراتيجية وليس اعتماداً على هلوسات امثال نتنياهو.
ورغم التشويش السلبي الرهيب الذي تحدثه مجموعات الاسلام السياسي في المنطقة ومن ضمنهم حركة حماس لكان النص الفلسطيني في ذروته بينما النص الصهيوني المعادي للتاريخ في هبوطه وافوله المستمر! ولعلها مفارقة كبيرة ومذهلة، ان اسرائيل التي عاشت طيلة العقود الماضية، معتمدة على ظلامية حركات الاسلام السياسي، تواجه المازق الكبير في نفس التوقيت الذي يصاب فيه الاسلام السياسي بهزائم كثيرة وانكشافات قاصمة، ذلك ان اسرائيل الاحتلال والعربدة وبشاعة العنصرية وفصائل ارهاب الاسلام السياسي، يفقدون القدرة على تبرير انفسهم، ولذلك فانهم ذاهبون الى الفشل الحتمي الذي لا نجاة منه على الاطلاق فأهلا بكل من يعترف بفلسطين والقدس عاصمتها، دولة مزروعة في قلب الجغرافيا السياسية، فكل اعتراف هو ضربة قاتلة لشذوذ الاسلام السياسي وشذوذ العنصرية الاسرائيلية
Yhya_rabahpress@yahoo.com