يا جبل ما يهزك ريح
من يقرأ "الشكوى" الاسرائيلية ضد الرئيس أبو مازن، المقدمة الى محمكة الجنايات الدولية، بوسعه ان يلمح دونما جهد، خلوها من اي محتوى قانوني، وأن لغتها ليست اكثر من لغة دعائية بعنصرية بالغة، وعلى اية حال يبدو ان الرئيس ابو مازن، بما يحققه من امر واقع سياسي بات يحاصر اسرائيل في كل ساحة وموقع، قد بات يرهق حتى مخيلة الفبركات الاسرائيلية، فلم تعد هذه قادرة على الصياغات المحكمة، والحبكات المعقولة لفبركاتها الاعلامية والدعائية.
ولأن صاحب الحاجة أرعن كما يقول المثل فإن هذه المخيلة، توسلت شكلا اخر من أشكال التحريض ضد الرئيس أبو مازن، فتوهمت أن حبكة "الشكوى" قد تكون ممكنة في هذا السياق، ولأن اصحاب هذه المخيلة لا يعرفون شيئا من تاريخ المعرفة والحكمة والقيم الاخلاقية، في هذا المنطقة التي دخلوها عنوة، فانهم بالقطع لن يعرفوا معنى الحياء وقيمته الايمانية والتحضرية والانسانية معا، وقد جاء في الحديث الشريف (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الاولى: اذا لم تستح فاصنع ما شئت) وهذا ما فعلته مخيلة الفبركات الاسرائيلية التي من الواضح انها لا تعرف الحياء، ولا أي درجة من درجاته فصاغت "شكواها" على هذا النحو المتهتك اخلاقيا.
وغير الحياء وشرطه الذي يجعل من كل كلام معقولا ومقبولا، نتذكر ما قاله شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش وقد استشهدنا به غير مرة، عن العنصري الفاشي وفكرته (تقتلني وتدخل جثتي وتبيعها ...!!!) نحن ضحايا الطائرات الحربية المتطورة، ضحايا القصف الصاروخي والمدفعي العنيف، ضحايا الحصار والحواجز والفصل العنصري البغيض، ضحايا الاستيطان وعربدة المستوطنين، ضحايا الاحتلال الوحيد الباقي حتى الان في هذا العصر، ومع ذلك تريد اسرائيل تسويق نفسها كضحية بشكوى تتوهم انها ممكن ان تكون مقبولة لدى الرأي العام الدولي وانها فاعلة على صعيد التحريض ضد الرئيس ابو مازن، لكن هذا زمان قد عبر، ونعني زمن الفبركات الاسرائيلية ومزاعمها التي لم تعد تقنع احدا، حتى الذين يلوحون بقطع المساعدات عن شعبنا الفلسطيني، فهؤلاء يلوحون بهذا التهديد، لا لأنهم يصدقون المزاعم والفبركات الاسرائيلية، بل لأن علاقاتهم العقائدية على ما يبدو هي التي تدفع بهم الى مثل هذه التهديدات ...!!
نعم هذا زمان قد عبر، والزمن اليوم هو زمن الدولة الفلسطينية التي تتعالى دقات ساعتها، زمن الامر الواقع السياسي الذي يواصل الرئيس ابو مازن تكريسه ليحاصر الامر الواقع الميداني الذي يريد نتنياهو فرضه بالقوة على الارض، دون ان يرى انه يظل أمرا خاليا من اي مستقبل لأنه خاليا من اي قيمة اخلاقية، ولأنه لا يعرف حكم التاريخ وصيرورته .
يبقى ان نقول الجروح الصحيحة التي هي جروحنا، وحدها التي تملك الشكوى الصحيحة، بالحياء الانساني كله، وبالرفعة الاخلاقية كلها، لتأخذ مجراها الصحيح بالمصداقية كلها في الواقع والتاريخ الذي لا يجامل احدا وخاصة في محاكماته العادلة، حين لا تكون القوة وغطرستها، هي القاضي، وحتى لا يكون حلفاء العدوان هم الشهود، ولا قاعتهم هي قاعة المحكمة.
رئيس التحرير