فلسطين مستقلة... فرنسا الحرة - موفق مطر
صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) لصالح قرار توصية لحكومة الجمهورية الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطين، وبالمقابل قرر بنيامين نتنياهو حل الكنيست الحالي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في منتصف شهر آذار المقبل لدولة اسرائيل، بعد اقالة 6 من وزراء حكومته على رأسهم تسيبي ليفني وزيرة القضاء، المناطحة القوية لنتنياهو.
فلسطين تتقدم في المحافل الدولية، ودولة الاحتلال التي يريد لها نتنياهو تسمية الدولة اليهودية تتقهقر، تجر خيبة أحزاب اليمين المتطرف، التي مازالت تعيش احلام الغطرسة والقوة الاستيطانية والسيطرة على الشعوب بسلاح الاحتلال!.
يحسب هذا الانجاز لقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي وطدت علاقتها بالأحزاب الاشتراكية واليسارية، وأدركت متغيرات المزاج الشعبي في كثير من الدول في أميركا اللاتينية واوروبا، ثم عملت على توظيف العلاقة التي بدأت مبكرا وعادت لتنشط من جديد لخدمة القضية الفلسطينية وأهداف الشعب الفلسطيني، عبر إقناع قادة الأحزاب ونواب الشعب في برلمانات دول كبرى، بحق الشعب الفلسطيني بالاستقلال، وتسليط الأضواء على نقاط التقاء بين حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وهذه الأحزاب القائدة في مجتمعاتها، عند مبادئ وحقوق الانسان، والحرية والعدالة، وإنهاء أشكال التمييز العنصري، ورفض الاحتلال والقوة العسكرية لحسم قضايا الصراع، وتحديدا قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
باعترافها بدولة فلسطينية، تنتصر الأحزاب الاشتراكية لمبادئها وللقوانين والمواثيق الدولية، تنتصر لرؤيتها التحررية التقدمية لنظام الدول الديمقراطية ولما يجب ان تكون عليه، وتمنع أي محاولة لغرس نبت الدولة الدينية الشيطاني، فالقوى الاشتراكية واليسارية الحرة في برلمانات اوروبا وحكومات دولها وأميركا اللاتينية كذلك، ما كانت لتؤيد الاحتلال والعنصرية، واغتصاب اراضي وأوطان الشعوب بالقوة، وما كان لها اغفال حق الشعب الفلسطيني مقابل امتيازات ومصالح وعلاقات خاصة مع دولة الاحتلال اسرائيل، فكلنا يعلم ان فرنسا الدولة الاستيطانية العظمى كانت من اوائل الدول الكبرى التي اسهمت ببناء القوة العسكرية لإسرائيل بصنوف الأسلحة كافة، رغم كونها منبعا رئيسا لأفكار ومفاهيم الحرية والعدالة، أما تحولها الآن واعتراف برلمانها باغلبية الثلثين تقريبا بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس الشرقية، فانا لا نراها إلا عودة وعي، وتصحيح مسار لسياسة باريس، عاصمة الثقافة الانسانية والنور، وإقرار - ولو متأخر - بالحقيقة الفلسطينية، لكن هذا ما كان ليأتي بسبب رغبة القيادة الفرنسية بالتميز والتمايز عن سياسة البيت الأبيض وحسب كما يعتقد البعض، وإنما بفضل حركة فتح التي نجحت بتحويل صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني الى انجازات سياسية، تعزز حقه في وطنه فلسطين، وتقرير المصير وقيام دولته المستقلة، فقيادة الحركة عملت منذ عقود على ازاحة الدعاية الصهيونية المحتلة لوعي وذاكرة الشعوب في العالم عموما، وأوروبا وأميركا اللاتينية تحديدا، ونزع اراجيفها وأكاذيبها التاريخية، وغرست مكانها عقلية النضال التحرري، التقدمي، المنسجم مع المبادئ الانسانية وشرائعها، فالأوروبيون بشكل عام، دون تحديد المفاهيم والأفكار الناظمة لأحزابهم السياسية، هم اقرب شعوب العالم لفلسطين بعد شعوب الأقطار العربية، تربطهم بأرض ( فلسطين ) – صلة قداسة، كما كانت بعهد اجدادهم منذ الفي عام ونيف، وكما يجب ان تكون الآن، لكن ليس تحت الاحتلال، وليس تحت سلطة وإرهاب (دولة دينية ) يؤسس المتطرفون اليهود ويحاولون بهذا ايذاء ضمائر شعوب دول اوروبا التي تعاطفت مع مأساة اليهود الاوربيين خلال الحرب العالمية الثانية.
بدأت ثمار الكفاح والنضال الفلسطيني بالنضوج، لكن اعاصير السياسة الدولية، ومتغيرات مناخها المفاجئة، تجعلنا اكثر حذرا ويقظة لإحاطة ثمرات صمودنا وتضحياتنا وإرادتنا، وتمسكنا بحقوقنا بما يلزمها من جدران الأمان ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد من العقلانية السياسية المدفوعة بخطة استراتيجية وطنية، والانضباط والالتزام بمحددات هذه المرحلة الكفاحية، وأدواتها المشروعة، فنحن سننتزع الاعتراف بدولتنا ممن حاولوا شطب وجودنا من خارطة العالم السياسية والطبيعية والثقافية والتاريخية.