تشهير الفيسبوك ماذا بعده؟ ... - صبري صيدم
لا أدخر جهداً وغيري الكثيرون للسعي لانتشار التقنية الحديثة في فلسطين وتشجيع استخدامها والمواظبة عليها لاكتساب المعرفة والخروج من إطار الاستهلاك إلى إطار الإنتاج المعلوماتي والمعرفي لقناعة كبيرة لدي بأهمية التكنولوجيا في نقل الفلسطيني من مرحلة البؤس التي يفرضها الاحتلال إلى مرحلة التميز والإبداع.
فالفلسطيني المنكوب في حياته قد وجد في الشبكة العنكبوتية وعالم التقانة المزدهر فعلا وانتشاراً ضالته المنشودة وقدرته الكامنة في تجاوز حواجز الجغرافيا القسرية والإبحار في عالم المعلومات لإسماع صوته ونقل معاناته وتطوير أبحاثه والترويج لإبداعاته وقراءة الكتب وسماع الموسيقى ونشر رسالتنا الثقافية وتطوير خبراته الأكاديمية وحتى التأثير والضغط على الساساة وصناع القرار.
الفلسطيني بحريته المتصاعدة اليوم بفعل سرعة و"شراهة" إقباله على شبكات الإعلام الاجتماعي تجاوز حدود التردد والإحجام وبات حاضرا بالموقف والرؤية والتصور وحتى الحلم. يكتب ولا يتردد وينتقد ولا يخاف ويحاجج ولا يرتعد في حرية غير مسبوقة وإقدام غير معهود.
لكن الخط الفاصل ما بين الحرية الخاصة والعامة وبين القدح والتشهير والسباب بات رفيعا جدا في مجتمعنا بحيث يبدو المشهد أكثر غرابة مما توقعنا لشعب قبض على هويته وزاد عنها بعناده ورباطة جأشه وقدم تضحياتٍ جمّة ولّدت مخزوناً أخلاقياً غير مسبوق لا يمكن إلا أن يوّلد حواراً حضارياً مرموقاً وراقياً ومسؤولاً حتى في أقصى درجات الانتقاد والانزعاج.
أما أن نرى اليوم قدحاً بأعراض الناس وذماً بوطنيتهم وانتقاصاً من آدميتهم واستهتاراً بولائهم أو دينهم أو نبيهم أو حتى ربهم فهذا ما لا يتقاطع مع شيم المجتمع وخصال أبنائه أينما كانوا وحيثما حلّوا.
وقد زاد في استفحال الأمور غياب القوانين الناظمة والتي سئمنا الحديث عن غيابها كقانون الإنترنت وقانون المنشورات الرقمية وقانون الجريمة الإلكترونية وغيرها من القوانين التي لا تكمم الأفواه وتضر بحرية الرأي وإنما تحدد حقوق المستخدمين والمزودين والمروجين والناشطين على الشبكة العنكبوتية وواجباتهم ومساعدتهم في توصيف ما يعد حرية وما يتناقض معها.
حالات السباب والقدح والتشهير لم تأتِ بعيدة عن أنف الاحتلال الذي سخر جهده لإذكاء الخلافات الفلسطينية وتعظيم الانقسام وتشريخ النسيج المجتمعي واستثمار حالتي الإحباط وانسداد الأفق السياسي بحيث يضمن تفكك أواصر المجتمع الفلسطيني ويعزز انفصال الفرد عن عائلته وأسرته وصولاً إلى التفكيك الكامل لقيم المجتمع وترابطه وعوامل قوته. لذا لا يبدو غريباً انتحال البعض من ناشطيه شخصيات عربية والشروع ببث الفتنة عبر الشبكة العنكبوتية واستدراج الشباب وتفسيخ المجتمع وحلحلة أركانه ووشائجه.
لذا لا بد من سن القوانين المذكورة لحفظ حقوق المجتمع ولا بد من فتح حوارٍ مجتمعي ناضج ومتنور ومتفتح يطرق بجرأة قضايا النشاط الإلكتروني وتفاعلات الحوارات والسجالات الصاخبة وجولات السباب والذم والتهجم والتشهير. فنحن لسنا شعب الفضيحة وإنما شعب الفضيلة القائمة على درء الفتنة ورد سمومها ومقارعة ظواهرها لأننا نؤمن بأن الهوية والمواطنة والصمود لن تتحقق إلا بالحوار المسؤول والخلاف المصقول مهما علت حرارته أم نقصت.
أما مدارسنا وجامعاتنا فتحتاج أن تكون في قلب عملية التقييم والتوجيه والمكاشفة خاصة لما تقدمه من أجيال تسهر على تعليمهم ليكونوا عماد الوطن وسدنته.
وهذا كله لأننا نحب الحياة وكل ما رسخه الراحلون فينا بأننا إما أن نكون بانجازاتنا ومسؤوليتنا وفعلنا أو لا نكون، خاصة إذا ما اختار سوادنا الأعظم ذات يوم وجراء غياب الحوار والمتابعة، أن يقع في شرك الحقد "الرقمي" أو النقاش المجنون الذي لا يمكن أن يكون فلسطينياً صرفاً أوصادقاً، إذ لا خير في أمة لعنت عرضها وشرفها وأساءت لأديانها وكرامتها ورموزها وحصونها وهي ما زالت في أوج مخاضها الوطني التحرري! فهل نتعظ؟
s.saidam@gmail.com