عن محنة ليبيا - عدلي صادق
نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه، أن دولاً عربية حليفة للولايات المتحدة، تواصل حث الفصائل المسلحة في ليبيا على الاستمرار في الاقتتال. وقبل أن يصرح مسؤول أميركي بهذه المعلومة؛ بدا واضحاً أن ما آلت اليه أحوال ليبيا، هو نتاج تدخلات من خارج الحدود، وأن كل مجموعة تجمح، تستند الى دعم إقليمي ودولي. وفي الحقيقة، لم يعد البترول هو العنصر الوحيد، الذي يجعل دولاً من وراء البحار، وأخرى إقليمية، تتدخل في الشأن الليبي، على النحو الذي جعل هذا البلد يشهد انقساماً حاداً، تتخلله حكومتان وبرلمانان يتنافسان على الحكم وعلى شرعيته. ولما أصبحت الأقطار المتدخلة، والأخرى التي تراقب صامتة، غير جديرة بمباشرة جهود للمصالحة؛ تولت الأمم المتحدة المهمة، ذلك علماً بأن المنظمة الدولية تتدخل في نزاعات لإقرار السلم والأمن الدوليين. أما أن تكون هناك كتلتان من شعب واحد، تتقاتلان أو تغذيان قتالاً بين تيارين؛ فإن الأمر يكون استعصى على الحكماء في البلد نفسه، واستعصى على الجوار الشقيق والإقليم القريب. ويبدو أن الأمم المتحدة نفسها، قد أعيتها الحيلة، إذ اعلنت قبل يومين، عن تأجيل ما تسميه "محادثات السلام الليبية" الى أسبوع آخر.
حين يتقصى واحدنا، أسباب الدول العربية المتدخلة في ليبيا، يجد الإرهاب في طليعتها. فقد باتت هذه الدول، تعاني من إرهاب أعمى، ليست له قضية سوى زعزعة استقرار الأوطان، مع مزاعم مريضة، تفترض أن هذه الزعزعة ستكون لصالح أمراء الحرب الإرهابية، وأن هؤلاء يمكن أن يغلبوا وأن يؤسسوا أنظمة حكم، تكون جزءاً من خارطة العالم السياسية. وعلى اعتبار أن هذا التطلع مستحيل التحقق، فإن بديله الأصولي السلفي المحارب، هو الأكثر استحالة، لأنه يفترض أن العالم سيصبح شبيهاً بالجزيرة العربية قبل الإسلام، حيثما لم يكن هناك لا حدود سياسية ولا كيانات راسخة، وهذا غير متاح الآن لأبي البراء وأبي مصعب والشيشاني وسواهم!
كان انهيار نظام حكم معمر القذافي، بمساعدة الغرب أولاً وأخيراً. ولولا تلك المساعدة؛ لأصبح "جهاديو" ليبيا من الليبيين والأجانب، إما في القبور أو في السجون. ومعهم أولئك الذين تطلعوا الى الحرية. وسيكون نوعاً من الكوميديا السوداء، أن ينتصر الغرب لقومٍ ما، مدفوعاً بأطماعه وأسبابه، ثم يُعلن القوم أنفسهم، بعدئذٍ، عن النفير لمحاربة الغرب والشرق معاً. إن التدخلات العربية التي أشار لها المسؤول الأميركي، حفّزتها ظاهرة توريد السلاح الذي غنمه المتطرفون بعد انهيار المؤسسة العسكرية الليبية. فقد مرّ المتطرفون الإرهابيون، في سيناء وسوريا وسواهما، بجمعة مشمشية من السلاح والذخائر التي يتمنون. وماذا كانت النتيجة سوى أن جيوشاً انخرطت في القتال دفاعاً عن دولها، ودماء سالت، وقضايا حرية أُفسدت، وآلام أصابت الناس. لذا، والحال هذه، ما المانع أن تنتقل التعارضات بين الليبيين، من ميادين الحرب الى صناديق الاقتراع؟ فالخاسر يربح بلده ويحافظ على رؤيته وحجته، ويحاول بالتي هي أحسن، مثلما دعانا رب العالمين، فإن سقطت حجته ورؤيته، في المرة تلو الأخرى، ينجو ويستظل بالاستقرار الذي توفره له الدولة الراسخة.
إن أسوأ ما يُلاحظ، في مشهد الحرب الليبية الداخلية، أن لا وسيط مؤهلاً للقيام بمساع حميدة لجمع الأطراف. وبمجرد أن تأبطت الأمم المتحدة هذه المهمة، ولم ينازعها أحد فيها، تتبدى حقيقة أن لا طرف مؤهلاً للعمل كوسيط. إننا في زمن الدول المأزومة، والفشل الكلوي للإقليم كله، حتى باتت الشعوب معرضة في كل لحظة، لنيران لا تعرف من أين جاءتها ولماذا جاءتها!