كلام الانقسام من جديد - يحيى رباح
من الآن فصاعداً، سوف نسمع من حركة حماس، ومن قياداتها المفروزة للاعلام، نفس الكلام القديم نفسه الذي فقد معناه ومصداقيته لتناقضه الشديد مع الواقع الذي يعرفه جميع الناس في الساحة الفلسطينية، وهو الكلام عن اختلاف وتناقض البرامج تبريراً للانقسام الذي وقع منذ أكثر من سبع سنوات، ويتضح الآن أن أهل الانقسام وصانعيه عاجزون تماماً عن الخروج من حفرته، وكلما امتدت لهم يد الشرعية الفلسطينية لتنقذهم من حفرة الانقسام أخذوا يصرخون تماماً كمن تعود أن يعيش في كهف مظلم لفترة طويلة، فحين نخرجه من العتمة الى ضوء النهار تؤلمه عيناه فيصرخ بأنه يفضل الظلام.
حديث الانقسام يتواصل تحت عناوين زائفة مثل ادعاء برنامج المقاومة وبرنامج المفاوضات، وكأن المفاوضات التي أجرتها حماس قبل وبعد عهد محمد مرسي ولا يعلمها الناس، وهي اليوم مستمرة بأشكال أخرى، وهي مفاوضات وصلت الى حد القبول بالدولة ذات الحدود المؤقتة، وبأن يخرج قطاع غزة من فضائه ومساره الفلسطيني ويقذف به في صحراء سيناء، وأن يكون قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية بل لا بأس أن يطلق عليه الخلافة الاسلامية، المهم أن لا يتقدم المشروع الوطني الفلسطيني الذي ينضوي تحت لوائه الكل الفلسطيني باستثناء حماس.
يتباكون هذه الأيام بدموع التماسيح على الكفاح المسلح، مع أن القاصي والداني يعرف أن الأخوان المسلمين الفلسطينيين وغيرهم، ظلوا على امتداد اثنين وعشرين سنة خارج الثورة الفلسطينية المعاصرة، وخارج الكفاح المسلح الفلسطيني في اعظم اطواره، ولم يكن لهم عمل سوى مهاجمة الكفاح المسلح واعتباره غير شرعي لأنه لا يتم تحت لواء أمير المؤمنين، ويهاجمون شهداء الكفاح المسلح بصفتهم ليسوا شهداء لأنهم شهداء من أجل الوطن، والوطن والوطنية في فقههم كفر مباح.
في العلاقة الوطنية مع حماس، فان المصالحة لم تتحقق ولا للحظة واحدة، بل انه في الذكرى السابعة والعشرين للانتفاضة الأولى التي كان من بين نتائجها المبهرة السقوط النهائي للانكار الصهيوني لوجود الشعب الفلسطيني، استطعنا من خلال نتائج الانتفاضة أن نجبر اسرائيل على توقيع آتفاق مع منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكانت الانتفاضة قد أسقطت كل المحاولات الخبيثة لضرب وحدة التمثيل وهي المحاولات التي تورط فيها كثيرون وعلى رأسهم حماس، التي لم ينجح الكل الوطني طيلة سنوات الانتفاضة في اقتناعها للانضواء تحت لواء القيادة الموحدة للانتفاضة بل ظلت نشازاً يجدف ضد التيار الوطني الرئيسي الذي يريد الاستقلال والدولة المستقلة.
الحالة الفلسطينية اليوم تصعد الى الذروة على مستوى المشروع الوطني، والاضطراب بدأ يتوسع في صفوف العدو، ونتنياهو حاول حتى اللحظة الخيرة الافلات من تجربة الانتخابات المبكرة ولكنه لم ينجح، وبالتالي نحن نتوقع تجربة صعبة في هذه الانتخابات التي تقرر موعدها في السابع عشر من آذار المقبل، وقد رأينا بوادر لمزايدات بين أطراف اللعبة، فهناك رشوات مبالغ فيها للاستيطان والمستوطنين، وهناك تهديدات تافهة بضم الضفة الغربية، وهناك محاولات اسرائيلية للافلات من اللحظة الخانقة ربما الى مغامرات عنف جديدة تولد ضد شعبنا الفلسطيني أو ضد المنطقة بوجه عام، وكان الأمل أن تكون حماس ضمن السرب الوطني لمواجهة هذه التحديات، ولكن حماس تتحدث عن كل شيء الا وحدة الموقف الفلسطيني، وهي ترمي وراء ظهرها تلك المكاسب التي يحققها الشعب الفلسطيني على المستوى السياسي، وهذا الحجم من الانتباه العالمي للقضية الفلسطينية، وتفتعل قضايا زائفة أخرى، مثلما حدث في تفجيرات غزة، وفي البيانات الصادرة في غزة باسم «داعش»، وفي الحديث عن انتهاء صلاحية حكومة التوافق، وبقية المسلسل الكلامي الذي لا يصدقه أحد، ضاربين بعرض الحائط بكل الآلام التي سببوها لأهلنا في قطاع غزة، ومصرين على أجواء التوتر والهجوم البشع وصب النار في جراح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كما لو أنه رهينة وليس هو الشعب صاحب القضية، فكيف توجه حماس كل الاتهامات بحكومة التوافق بالتقصير، وهي لا تسمح بأية صلاحيات لهذه الحكومة؟ هذا السؤال يطرحه كل انسان في قطاع غزة، لأن الناس يعرفون تفاصيل التفاصيل، لأن هذه التفاصيل هي حياتهم التي لا يمكن أن يخدعهم بشأنها أحد.
حماس ترفض اليد الوطنية التي امتدت لها، ومستمرة في لعب الدور السلبي لصالح جهات لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني وقضيته، انها عملياً تعود الى حظيرة الانقسام الأسود من جديد.