زياد أبو عين شهيد العرس الفلسطيني - عـادل أبو هـاشـم
شهيدنا زيـاد أبـو عـين ...
ليس من السهل أن يكتب المرء عن زياد أبو عين ، فالرجل ليس شهيدًا وحسب ، إنه قائد و مناضل و أسير محرر ، وهو فوق ذلك يتدفق بحب الأرض التي ترجل من أجلها .
كل كتابة عنه ستكون ناقصة ، لأن قضيته لم تكتمل بعد .
ذلك أن "أبا طارق" لم يكن في حياته وفي التـزامه مجرد شخص اختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة ، بل كان إلى جانب ذلك نموذجـًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل من خلال الكفاح المسلح ، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل ، ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة و العبوة الناسفة اكتسب قيمته كمناضل ومعلم ورمز لهذا الجيل .
أن يستشهد زيـاد أبـو عـين فهذا أمر طبيعي ، فلقد استشهد في كل لحظة من لحظات حياته القصيرة زمنيـًا ، الطويلة جهادًا ونضالا ، فسيرة نضاله من أجل وطنه وشعبه وقضيته العادلة كان الاستشهاد نهايتها الطبيعية ، وسيرة نضاله هي في الواقع حياته العملية كلها .
لقد طلب " أبا طارق " الاستشهاد لنفسه ، وعمل له ، وسعى إليه ، لأنه آمن به .
آمن بأن العمل لفلسطين لا حدود له ، وأن فجر النصر آت لا محالة رغم الظلام الحالك الذي يلف الأمة ، وأن الدم والمشاركة في الجهاد ضد المحتل لا تكون من بعيد ، وأن هناك طريقـًا آخر غير طريق الخنوع والاستسلام ، أو القبول بالفتات أو انـتظار ما يسمح به العدو الإسرائيلي بالتـنازل عنه ألا وهو طريق الجهاد والاستشهاد .
لقد آمن زيـاد أبـو عـين أن مقاومة المحتل لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي ، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط ، ولا المهادنة ، ولا التأجيل ، ولا الاستراحة ، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة ، ولا الدبلوماسية ، ولا التلفيق ، ولا الاصطناع .!
لقد كان في زيـاد أبـو عــين من صدق المناضل وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله ، فيثير فيه من خلال تصديه لغول الأستيطان والجدار موجات متلاحقة من التأزم ، فيجعل هذا الواقع قلقـًا مستـنفرًا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة ، وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات .
كان زيـاد أبـو عـين صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق ، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته ، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب ، ويلقنها لأبناء شعبه البطل .
لقد كان تلميذًا وأستاذا في آن واحد .
فقد عظم المقاومة في فكره وعقيدته ، وقدر العمل في نضاله وكفاحه اليومي ، وسبق الآخرين بنظره الثاقب ، فكان فارسـًا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين الجهاد والنضال والعمل الوطني .
كان زيـاد أبـو عـين صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد ، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر ، تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تـنقطع أبدًا .
ويبدو أن العدو الصهيوني قد سبقنا بتقييم أهمية زيـاد أبـو عـين في حياته ، حتى أخذنا الآن ندرك حقيقة عظمته بعد استشهاده ، فالعدو أدرك أن زياد كان عاملا رئيسيـًا في جعل قتاله محببـًا للجماهير ، مما يعني أن بقائه سيكون من العوامل المساعدة على ديمومة المقاومة الشعبية ، واستعداد الجماهير ورغبتها في أن تمدها بالمزيد من المناضلين .
من الصعب أن أرثي الشهيد زيـاد أبـو عــين بالكلمة ، ومن الصعب أن أرثيه بالدمع الساخن لأن مآقينا جفت منذ عشرات السنين .
جفت مآقينا منذ أن وطأت أول قدم صهيونية أرض وطننا الحبيب .
جفت مآقينا منذ أن سقط أول شهيد فلسطيني برصاص العدو الصهيوني .
فلن نرث بعد اليوم شهدائنا ، بل سنثأر لهم من قتلتهم ، من عدونا الأبدي والأزلي ، سارق أرضنا وأحلام طفولتـنا .
عاش زيـاد أبـو عـين حياة قصيرة ، ولكنها عريضة كما يقولون ، ولم يكن ابنـًا بارًا لأهله وعائلته وشعبه ووطنه بالمفهوم الأخلاقي للكلمة فحسب ، ولكنه كان ابنـًا بارًا لشعبه ووطنه بالمفهوم الإبداعي للمقاومة أيضـًا .
لقد علمنا زياد دروسـًا كثيرة في الانسجام والصدق والاحترام من أجل قضيتـنا العادلة ، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينيـًا .
ستبقى كل كتابة عن زيـاد أبـو عـين ناقصة ، لأن قضيته هي قضية الشعب الفلسطيني كله ، هي قضية الجيل الذي يصنع المسيرة ، وهي قضية لم تكتمل بعد .
لقد كان زيـاد أبـو عـين في حياته شعلة مضيئة في زمن الظلام العربي الدامس ، فرسم لنا الطريق ، وأثبت بدمائه الطاهرة أن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد وأن يحصد النصر .
لقد خسرنا زيـاد أبـو عـين بإخلاصه و شجاعته وقدرته وجرأته ، وبصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلبه الواسع ، وبصموده و عطائه الذي لا يلين ، وخسرنا الأخ ، ولسوف نفتقده كثيرًا ، ونفتقده طويلا .
لقد استشهد زيـاد أبـو عـين وتركنا فجأة ، ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن يستشهد " أبا طارق " ، فالذي يعيش حياته كلها مناضلا تكون الشهادة نصب عينيه دائمـًا ، وحين تأتي ، تأتي كجزء من العمل ، تأتي كرمز لهذا العمل ، تمامـًا مثل الرمز الذي حمله معه في كل لحظة من لحظات حياته ، كل ما فعله زيـاد أنه أكمل الرمز حتى النهاية .
فهنيئـًا لك الشهادة ووسامها يا زيـاد ، ونم قرير العين ، فإن رحلت عنا فسينبت فينا ألف زيـاد أبـو عـين نجوم في سماء الوطن وعنوان الأمل القادم ، ولتظل ذكراك أنشودة فلسطينية متجددة على لسان الأطفال والأمهات ، يزرعنها في الأبناء جيلا بعد جيل حتى تحين ساعة النصر بإذن الله .
زيـاد أبـو عـين ..
ونحن نستعيد مسيرة جهادك ونضالك وتضحياتك واستشهادك ، ونحن نغمض أجفاننا على طيفك ، ونضمك إلى جوانحنا ، نكتب لزوجتك الفاضلة الصابرة السيدة " أم طارق " و أبنائك ، وللحزانى من شعبك وأهلك وإخوانك وأصدقائك ما كنت أنت ستقوله لهم جميعـًا في مثل هذا المجال ، حول استشهاد مجاهد عنيد من مجاهدي شعبنا البطل .
اليوم عرسك "أبا طارق" في جنة الرحمن ..
في مقعد صدق عند ملك مقتدر ..
اليوم يستقبلك الشهداء الأبرار و الصديقين و الصالحين .. وحسن أولئك رفيقـًا ..
هذا هو العرس الذي لا ينـتهي .
في ساحة لا تـنتهي .
في ليلة لا تـنتهي ..
هذا هو العرس الفلسطينيُ .
لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ .
إلا شهيدًا أو شريدًا .
--