اميركا ترضخ وتطبع - عمر حلمي الغول
مضى اربعة وخمسون عاما على ازمة خليج الخنازير الاميركية الكوبية. بعدما قام الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور بالمصادقة على الاطاحة بالنظام الشيوعي في كوبا الوليد من خلال عملية انزال، يقودها مدير ال CIA الن دالس في السابع عش من مارس / آذار 1960، التي فشلت فشلا ذريعا، كما فشلت غيرها من عمليات التآمر على نظام الزعيم الكوبي، فيدال كاسترو.
طيلة العقود الماضية من الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، ورغم إنهيار المنظومة الاشتراكية مطلع تسعينيات القرن الماضي وتفكك الاتحاد السوفيتي إلآ ان جمهوية كوبا الشعبية، بقيت صامدة، ولم تنهار اسوة بدول اوروبا الشرقية. وواصلت خيارها متحدية العقوبات والحصار الاميركي البشع، ولم تستسلم لمشيئة الادارات الاميركية المتعاقبة، التي راهنت على إمكانية النجاح في تفكيك النظام الشيوعي لابل ان كوبا شكلت رافعة قوية وثابتة لدول اميركا اللاتينية، ودعمت قوى التغيير فيها. ونجحت في إحداث تحولات استراتيجية في خارطة الانظمة السياسية. حتى تلاشى منطق جمهوريات الموز الاميركي. وأمست قارة اميركا الجنوبية مصدر ارباك وتوتير لصانع القرار الاميركي اي كانت الخلفية الحزبية للرئيس القابع في البيت الابيض.
الصورة النمطية لطبيعة العلاقات الاميركية الكوبية تغيرت. ونجح الوسطاء وخاصة البابا فرنسيس في تجسير الهوة بين البلدين من خلال المباحثات السرية، التي تواصلت طيلة ال18 شهرا الماضية بين الفاتيكان وكندا. وهكذا قبلت الولايات المتحدة صاغرة بتطبيع العلاقات مع كوبا الشيوعية. متذرعا ومبررا الرئيس اوباما تراجعه عن سياسات سابقيه من الرؤساء الاميركيين، بامكانية حدوث التغيير في كوبا من خلال التطبيع.
لكن الادارة الاميركية تجاهلت ان نظام راؤول كاسترو، واجه تحديات غير مسبوقة في سنوات الحرب الباردة، منها كما اشير آنفا، انزال خليج الخنازير وعملية النمس ثم ازمة الصواريخ النووية الروسية في اكتوبر 1962، فضلا عن الحصار القاتل. وهو ما لفت الانتباه له الرئيس الكوبي بعبارات حازمة وبكلمات اخرى، بعد مصادقة البرلمان الكوبي على الاتفاق، الذي تم التوصل اليه بين البلدين يوم الاربعاء الماضي: " سنحرص على احترام استقلالنا الوطني، و(حقنا) في تقرير مصيرنا". وهو ما يعني، عدم السماح للولايات المتحدة بالعبث بالشؤون الداخلية الكوبية.
مع ذلك، تحتاج القيادة الكوبية إلى إحداث تحولات داخلية بما يستجيب لمصالح الجماهير الكوبية الحياتية والديمقراطية. دون ان يعني ذلك التخلي عن الشيوعية، ولعل في التجربة الصينية بالمعايير النسبية نموذجا يمكن تبنيه وتطويره بما يخدم نهوض وتطور كوبا الشعبية. وبقاءها رافعة قومية وديمقراطية للاميركيين اللاتينيين جميعا.
النتيجة المنطقية للاتفاق الاميركي الكوبي، هي خضوع الولايات المتحدة للحقيقة الكوبية، والقبول بها كما هي، وسقوط حقبة تاريخية طويلة من القطيعة بين البلدين، والاندفاع نحو التطبيع مع كوبا كاسترو. وهذا ما ستترجمه المفاوضات بينهما في نصف الشهر القادم من عام 2015، التي ستضع اللمسات الاخيرة على العلاقات المشتركة، وركيزتها التكافؤ والاحترام المتبادل بينهما.