تونس.. انتصار الياسمين - موفق مطر
فاز الشعب التونسي, وانتصر بصناديق الاقتراع على صناديق السلاح ورصاص الارهاب, وقدم نموذجا عربيا لسلوك ديمقراطي, واثبت تطلع جماهير الامة العربية, نحو نظم سياسية مستقرة, مؤسسة على ثقافة احترام الآخر, والالتقاء عند مبدأ الانتماء للوطن.
انتصر التونسيون يوم لبوا نداء تونس واقروا دستورهم الجديد, وعززوا الانتصار بانتخاب مجلس نيابي ( برلمان يمثل ارادة الشعب التونسي ) وتوجوه بانتخابات رئاسية حرة نزيهة, ولنا تخيل صورة المواطنين التونسيين المسالمين في ارتال, سلاحهم اوراق اقتراع, وارادة حرة، متحررون من ضغوط القبلية السياسية, والمال السياسي, يتحدون ارهاب الجماعات والتنظيمات الجاهلية التجهيلية الظلامية, لا تمنعهم قوة عن استكمال دائرة الهلال والنجمة الناصعة كالياسمين, على مستطيل بلون دماء شهداء الاستقلال.
يحق لنا كفلسطينيين الاحتفال مع الشعب التونسي الشقيق كما احتفلنا مع الشعب المصري الشقيق بانتصار حريتهم الاختيار, وارتقاء مفاهيمهم الوطنية, وكبحهم لعجلات الجماعة الدائرة بالاتجاه المعاكس لحركة الزمن. فتونس ابت الا ان تكون دولة شعبها العربي, الحضاري, السلمي, دولة ابي القاسم الشابي، يستجيب لها القدر, يوم اراد الشعب الحياة.
نفرح مع الشعوب العربية المنتصرة بتجربتها الديمقراطية, لان ذلك يقربنا من هدفنا الوطني, يوضح معالم دروب تحرير ارض فلسطين والحرية للشعب الفلسطيني, فالديمقراطية سبيل امتنا لبناء دول ومجتمعات متماسكة البنية, موحدة الرؤية والاهداف, وتزيد من منسوب الوعي الوطني والقومي والانساني المطلوب كشرط لاثبات الوجود والجدارة في صراع, مع مشروع كالتنين برؤوس متعددة, الاستعماري, الصهيوني، الظلامي، الرجعي، صراع سينتهي بافناء الهوية العربية وثقافتها الانسانية ما لم تتبنَّ الامة الديمقراطية منهجا عصريا, والعدالة والحرية, واحترام الحقوق كدستور حياة.
كنت واحدا من المؤمنين بقدرة رجال تونس ونسائها الوطنيين على قيادة (سفينة نوح التونسية ) الى مرفأ ( قصر قرطاج الرئاسي ) بنفس ايماني بقدرة الشعب التونسي على ايصال ممثليه الى مجلس النواب حتى ولو كان من قبلهم حكرا على ( الباي ), فمفاهيم الدولة الحديثة التي زرعها الزعيم الحبيب بورقيبة, ومناضلون تونسيون وتونسيات من مختلف شرائح الشعب التونسي بتوجهاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية من اجل تجسيمها وتكريسها مدرسة معيار للانتماء الوطني, قد اثبتت صحتها, بعد ان صقلها المناضلون التونسيون, واعادوا صياغتها لتتناسب مع تطور الفكر السياسي, وتجارب الشعوب المتقدمة.
اليوم وبعد اعلان الهيئة المستقلة للانتخابات الاستاذ, الباجي قائد السبسي رئيسا للجمهورية التونسية يحق لنا القول اننا تشرفنا بلقاء هذا الرجل, وسمعنا منه ما كان تعبيرا عن مكانة فلسطين، والقضية الفلسطينية في وعي الشعب التونسي, وصدارتها في البرنامج السياسي لحركة نداء تونس ذات الاغلبية البرلمانية ايضا, وهذا يعني بالنسبة لنا ليس عمقا استراتيجيا كان وما زال قائما وحسب، بل شقيقا اضافيا في معركتنا في ميدان القانون الدولي, فقيادات تونس تملك تجربة في هذه الميادين, فمعركة استقلال تونس شهدت توازيا بين خطي الكفاح في ميدان القانون الدولي والمقاومة الشعبية.
نطمح لرؤية انطلاقة علاقة جديدة ( للدولة التونسية الحرة المستقلة ) مع قيادة ( دولة فلسطين المحتلة ) وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك لتعزيز مبدأ تبني القضية الفلسطينية، كقضية وطنية وقومية. ولا عجب اليوم اننا نطرح برنامجا سياسيا سبقنا الى طرحه مؤسس تونس الحديثة الزعيم بورقيبة قبل خمسين عاما بالتمام والكمال في مؤتمر القمة العربية في اريحا, هذا الجزء من ارض فلسطين الذي بدانا فيه اولى خطواتنا لبناء مؤسسات السلطة الوطنية كنواة لقيام دولتنا المستقلة. وها هي بشرى الانتصار تأتينا بيضاء باريج الياسمين من تونس.