ميلاد المسيح عليه السلام ...! " معجزة وعبر " بقلم / د. عبد الرحيم جاموس
رغم إختلاف الطوائف المسيحية حول التاريخ المحدد لميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام، إلا أن الحقيقة التي لا جدال عليها هي ولادته من السيدة العذراء مريم عليها السلام، ومريم تعني باللغة العربية ((الكثيرة العبادة)) تلك المعجزة الإلهية التي تؤكد قدرة الله عز وجل ووحدانيته وأحقيته بالربوبية والعبادة، ومضمون رسالة السيد المسيح نشر المحبة والسلام بين الناس، وتأكيد الربوبية والعبودية لله عز وجل وهي رسالة جميع الرسل من آدم إلى محمد عليهم السلام جميعاً. وتضاف إلى معجزة الميلاد، الأمر الإلهي للسيدة مريم الذي أخبرت عنه الآية الكريمة (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) صدق الله العظيم، فإذا كان الميلاد في فصل الشتاء، ومعلوم لدينا أن الرطب وقته الصيف، فتكون المعجزة الأخرى أن تثمر النخلة بأمر الله لتوفر الطعام المناسب للسيدة النفاس، وما عليها سوى أن تهزّ جذع النخلة ليتوفر إليها الطعام، فالله قادر على كل شيء، ورغم ذلك كلفها للقيام بعملية الهز للجذع حتى يكون هناك عمل تقوم به أو تبذله ليكتمل استحقاقها للكسب والرزق، فلا كسب، أو رزق دون سعي أو عمل، هذه التربية الربانية للبشر، التي تقوم على مبدأ أن الرزق من الله، والسعي على المخلوق أن يبحث، وأن يسعى، وأن يبذل الجهد المناسب ليحصل على كسبه ورزقه، والتي تنفي صفة التواكل وتؤكد صفة التوكل على الله الخالق جل في علاه، فدروس ميلاد السيد المسيح كثيرة ومتعددة، أراد الله أن يضرب لنا بها مثلاً على قدرته، وتوحيده في العبادة، وأن يؤكد على الفطرة التي فطر بها الخلق والكون، وهي المحبة والسلام والإيمان الذي يجب أن يسود هذا الكون. ففي هذه الأيام التي بدأت تحتفل فيها الطوائف المسيحية، بذكرى ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم، يجب أن نأخذ العبرة من معجزة ميلاده ومعجزاته ومضمون رسالته القائمة على توحيد العبودية والربوبية لله الواحد ونشر قيم المحبة والسلام بين البشر، تلك الدروس التي يجب على البشر الإقتداء بها وقد جاءت الرسالة الإسلامية مشتملة ومكملة لما جاء به السيد المسيح عيسى عليه السلام وغيره من الرسل منذ آدم وصولاً إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم جميعاً، فليتعظ المتعظون، وليتآخى المؤمنون تحقيقاً لرسالات الرسل وغاياتها النبيلة والسامية الهادفة إلى خير البشرية على أساس من المساواة والمحبة لا فرق بين جنس وآخر. مدينة بيت لحم مدينة المسيح التي تحيي اليوم احتفالاتها على وقع الحصار والجدار والاحتلال الإسرائيلي المتناف مع القيم الإنسانية التي بشّر بها المسيح عليه السلام وأكد عليها جميع الرسل تصرخ في وجه هذا الاحتلال الظالم الذي يغتال فرحة البشرية بالسلام ويؤجج ثقافة الحقد والكراهية بين الشعوب، وتقول رسالتها آن لهذا الاحتلال أن ينتهي إلى غير رجعة حتى يعم السلم والأمن أرض ميلاد المسيح وأرض الإسراء والمعراج بيت المقدس الذي يعاني الأمرين من سياسات البطش والتدنيس والتزوير على يد هذا الاحتلال الصهيوني الغاشم. إن أرض فلسطين التي تحتضن المقدسات الإسلامية والمسيحية لها مكانتها الخاصة لدى البشر جميعاً، آن لها أن تنعم بالأمن والسلام والحرية والإستقلال دون تكدير الاحتلال وأفعاله الفاشية المارقة. كل عام والجميع بخير، وكل عام والسلام يعم بين بني البشر، بديلاً عن الحروب والإقتتال والدمار الذي يشيع كلما ابتعد الخلق عن غايات رسالات الخالق عز وجل.