مجزرة الدوايمة - د. غازي حسين
لكي لا ننسى. الإرهاب والإبادة والتدمير
الإرهاب صناعة صهيونية
المنطلق الأساسي في الفكر والممارسة الصهيونية
مجزرة الدوايمة أفظع من مجزرة دير ياسين ولكنهم نجحوا في التعتيم عليها.
وقعت مجزرة الدوايمة في 29/10/1948 ضمن مخطط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني لترحيله وإحلال المهاجرين اليهود محله.
هاجمت كتيبة الكوماندوس 89 التابعة للواء الثامن الإسرائيلي بقيادة موشي ديان والتي تشكلت من إرهابيين يهود كانوا في عصابتي شتيرن والأرغون قرية الدوائمة، وقتلوا (332) من سكانها المدنيين.
عملت إسرائيل كعادتها على دفن الشهداء في قبور جماعية وأصدرت أوامرها للتعتيم على المجزرة الرهيبة، ومنعت التحقيق فيها. ونجحت في التعتيم عليها وإخفاء معالمها حتى عام 1984.
تقع قرية الدوايمة على بعد 24كم إلى الغرب من مدينة الخليل ولم تكن المجزرة التي تعرضت لها القرية أول وآخر مجزرة جماعية في مخطط الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وإنما أصبحت الإبادة والتدمير المرتكز الأساسي في الفكر والممارسة الصهيونية لإقامة «إسرائيل العظمى» من النيل إلى الفرات.
كشفت أمر المجزرة الوحشية صحفية إسرائيلية تعمل في جريدة حداشوت واسمها يوئيلا هارشفي بالتعاون مع مختار القرية حسن محمد هديب. اكتشف طاقم صحيفة حداشوت قبراً جماعياً في أنقاض قرية الدوايمة المدمرة في نفس الموقع الذي أشار إليه مختار القرية «فقد تم إنزال أربعة عمال، وخلال دقائق معدودة أخرجوا عظام أدميين بقايا هياكل فوق بعضها البعض أثر المذبحة التي وقعت في القرية التي دخلها الجيش الإسرائيلي في 28 تشرين أول 1948»(1).
وأظهرت مجزرة الدوايمة أن الإرهابيين اليهود ارتكبوا أفظع من مجزرة دير ياسين ولم يذكرها أحد على الإطلاق، لأنهم نجحوا في التعتيم عليها، إذ بلغ عدد شهداء المجزرة بحسب المصادر الإسرائيلية (332).
لقد شعر أهالي الدوايمة خطورة بقائهم في منازلهم عند هجوم اليهود عليها، فاختبأت العائلات داخل كهوف القرية، بينما تجمع شيوخ القرية في المسجد.
مرت قوات مجرم الحرب موشي ديان يوم السبت الموافق في 29/10/1948 بمسجد الدراويش في القرية فوجدت شيوخ القرية يصلون فأطلقوا عليهم نيران المدافع الرشاشة فأبادوهم جميعاً وهم يصلون ويتلون القرآن الكريم، مما أظهر بجلاء وحشية وهمجية القوات الإسرائيلية، لأن لأماكن العبادة قدسية عند جميع شعوب العالم، ولا يجوز على الإطلاق انتهاك حرمتها وقدسيتها، لاسيما إذا لجأ إليها الإنسان طلباً للحماية، لكن القوات الإسرائيلية أقدمت على جريمة بشعة لم تقدم على مثلها قوات ألمانيا النازية، إذ أبادت جميع المدنيين الذين التجأوا إلى بيت الله طلباً للحماية والأمان.
ذكر مختار قرية الدوايمة أن (75) شخصاً من المسنين قد قتلوا في المسجد وهم يؤدون الصلاة، وقتلوا (35) أسرة اختبأت في مغارة خارج القرية. وقتل الجيش الإسرائيلي كل من رآه في شوارع القرية أو وجده في منازلها(2).
أشارت صحيفة حداشوت الإسرائيلية التي اكتشف طاقمها المجزرة في تقرير نشرته حولها إلى المراحل الثلاث التي مرت بها المجزرة وهي:
المرحلة الأولى: قتل الجيش ما بين 80 ـ 100 شخص في شوارع ومنازل القرية في الهجوم الأول عليها.
المرحلة الثانية: قتل الجيش الإسرائيلي ما بين 100 ـ 150 من كبار السن أثناء تأديتهم الصلاة في صبيحة يوم الجمعة بتاريخ 28/10/1948.
المرحلة الثالثة: إبادة (35) عائلة التجأت إلى مغارة الزاغة خارج القرية، حيث تقول سيدة نجت من المذبحة: «أنه منذ سماع صوت إطلاق الرصاص يقترب من الطور (المغارة) التصقوا بجدرانه وأرضه وأيقنوا أن ساعة الموت قادمةً لا محالة، فخيم سكون رهيب على الطور، وراحت كل امرأة تضم أولادها إلى صدرها تقبلهم بحنان عميق»(3).
وتضيف السيدة الفلسطينية التي نجت من الموت: «وما إن وصلوا الطور حتى طلب أحدهم وهو يصوب سلاحه نحوهم الخروج، فانفجر الأطفال بالبكاء وأمسكوا بجلابيب أمهاتهم. وأمروهم بالوقوف في صفين طويلين أحدهما للرجال والآخر للنساء، وتقدم اثنان أو ثلاثة وأخرجوا ثلاث بنات من الصف، فأخذن يستعطفن الجنود وأمهاتهم يصرخن ويلطمن «دخيلكم اتركوا البنات؟ لكنهم رفضوا توسلاتهن، وحدث عراك بين النسوة والجنود ففتحوا عليهن النار وقتلوا الأمهات، ثم جروا البنات بعيداً عن الصف».
وما هي لحظات حتى صاح أحد الجنود «احصدوهم»، فانهمر الرصاص عليهم كالمطر، فسقطوا جميعاً على الأرض مضرجين بدمائهم، وسقطت هي الأخرى معهم، وتظاهرت بالموت. وأثناء ذلك كانت لا تسمع إلا الأنين وصرخات الصدور، وتمتمات غريبة، يتبعها إطلاق نار آخر، فيسكت كل شيء، وحاولت أن ترفع رأسها، فسقطت رصاصة بالقرب منها، اخترقت جسد شخص آخر ثم استقرت في رأس ابنتها الرضيعة فماتت في الحال»(4).
«ذكرت الصحفية يوئيلا هارشفي في حداشوت «أن عدد الضحايا بلغ 332».
وجاء في بحث وضعه المؤرخ الإسرائيلي بني موريس حول مجازر ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال حرب عام 1948 رسالة شخصية بعثها عضو في حزب مبام إلى محرر جريدة عل همشمار الصحفي كفلان اليعازر فراي. ويستعرض فيها الصحفي شهادة جندي إسرائيلي كان شاهد عيان على مجزرة الدوايمة. ونشرت شهادته لأول مرة في الصحف الإسرائيلية عل همشمار، هآرتس، معاريف وبديعوت أحرونوت الصادرة في 23/11/2001.
وورد فيها: «وصل (الجندي) إلى الدوايمة فور احتلالها، وكان الجيش المحتل هو سرية 89 ولم يكن هناك مصريين في القرية، ولم تحدث مقاومة، قتل المحتلون الأوائل80 ـ 100 عربي، نساء وأطفال، قتلوا الأطفال من خلال تحطيم جماجمهم بهراوات... ظل في القرية عرب وعربيات أدخلوهم إلى البيوت وأغلقوا الأبواب عليهم ولم يسمحوا لهم بتناول طعام أو شراب وجاء بعد ذلك خبراء المتفجرات لتفجير المنازل ونفذت الجريمة، وتباهى جندي باغتصاب عربية وإطلاق النار عليها بعد ذلك».
ويقول الجندي «إن قادة مهذبين متحضرين يعتبرون من أفضل ما أنتجه مجتمعنا تحولوا إلى قتلة سفلة ولم يحدث ذلك من جراء عاصفة مشاعر، بل من خلال أسلوب طرد وإبادة، إذ يمتدحون قلة العرب، وهذا المبدأ هو الحافز السياسي في عمليات الطرد وأعمال الإجرام التي لا تواجه المعارضة في القيادة العملية أو القيادة العليا، أنا نفسي مكثت لمدة أسبوعين في الجبهة وسمعت روايات تباهى فيها جنود وقادة حول كيفية تفوقهم بالصيد والإبادة والقضاء على كل عربي»(5).
التقت مراسلة حداشوت مع يعقوب أهروني خبير المتفجرات في كتيبة الجيش الإسرائيلي الذي نفذت المجزرة وكان رده على تقرير الصحيفة: «لماذا أنت مهتمة بهذا الموضوع؟ من الذي يحتاج التحدث عنه بعد كل هذه السنوات؟ أي فائدة في ذلك والذي حدث حدث!
تقول مراسلة حداشوت: «طلب أهروني أن يعرف ما هي معلوماتي ومن أين استقيت هذه المعلومات، قلت له مختار القرية».
وتابع أهروني حديثه مع الصحيفة الإسرائيلية وأخبرها عن الكذب والوقاحة لقادة إسرائيل في التعامل مع الأمم المتحدة قائلاً:
«كان هناك استفسارات في هيئة الأمم حيث سألوا شارتوك أو ربما كان أبا إيبان ماذا حدث في الدوايمة؟ وكان جوابه لا توجد قرية بهذا الاسم»(6).
نشر أحد جنود السرية 89 قصة المجزرة وقال إنهم لكي «يقتلوا الأطفال، شقوا رؤوسهم وشجّوها بالعصي».
وقال الكاتب الأميركي ميخائيل بالومبو «كان الإسرائيليون ساديين بنوع خاص في معاملتهم للنساء العربيات. أحد الجنود الصهاينة» يتبجح بأنه اغتصب امرأة عربية قبل إطلاق النار عليها وقتلها. وأجبرت امرأة عربية أخرى مع طفلها المولود حديثاً على تنظيف المكان لعدة أيام ومن ثم أطلقوا النار عليها وعلى طفلها».
طلبت الأمم المتحدة من «إسرائيل» السماح لفريق من المراقبين بزيارة الدوايمة للتحقيق بشأن الاتهامات المصرية القائلة إن مذبحة ارتكبت في القرية.
في بادئ الأمر رفضت «إسرائيل» ثلاثة طلبات للأم المتحدة ولكنها وافقت في 8 تشرين الثاني 1948 وسمحت للكولونيل سور والضابط فان فاس هوفي بزيارة القرية.
لاحظ الضابط البلجيكي أن الدخان مازال يتصاعد من عدة منازل وتخرج منها رائحة غريبة.
وسأل المراقبان الدوليان عن سبب إخلاء القرية لسكانها، فردّ الإسرائيليون أن السكان جميعهم هربوا لدى مغادرة القوات العربية للقرية.
سمع القنصل الأميركي في القدس، وليام بورديت بزيارة فريق المراقبين الدوليين إلى الدوايمة. وقام بتحقيقات واستقصاءات أرسل على أثرها تقريراً إلى واشنطون بتاريخ 6 تشرين الثاني 1948 جاء فيه:
«تشير تحقيقات الأمم المتحدة إلى وقوع مجزرة، ولكن المراقبين غير قادرين على تحديد عدد الأشخاص الذين ذهبوا ضحيتها. فالتقديرات تتراوح وتختلف بشكل بارز، ولكن المرجح أن زهاء (300) شخص من المدنيين العرب قد ذبحوا في البلدة».
واختتمت حداشوت مقالها الذي كشفت فيه عن مجزرة الدوايمة تقول:
«ويمكن القول بأنه حتى في تلك الأيام الدامية تعتبر قصة الدوايمة من القصص التي تبعث على الرعب. الدوايمة يوك لقد دمرت وأزيلت من الوجود قبل أن تطرح قضيتها في الأمم المتحدة وأنكر مندوب إسرائيل وجودها».
المصادر
1) جريدة الأسبوع الأدبي، العدد 409 في 21/4/1994.
2) الدستور الأردنية في 2/9/1984.
3) حداشوت الإسرائيلية في 24/8/1984.
4) نواف الزرد، من دير ياسين إلى مخيم جنين، عمان 2002، ص66.
5) على همشمار في 23/11/2001.
6) جريدة الأسبوع الأدبي، العدد 409 في 21/4/1994.