خمسون شمعة تضيئ الطريق إلى فلسطين - د. عبد القادر فارس
خمسون عاما مضت على انطلاقة المارد الفتحاوي .. خمسون شمعة تضيئ درب الشعب على طريق الحرية والانعتاق .. خمسون وردة تزين قبر وضريح المعلم والمؤسس والرمز القائد ياسر عرفات , على بعد كيلو مترات قليلة من القدس , ولا زال صوت أبو عمار يجلل في المكان " على القدس رايحين شهداء بالملايين " .. خمسون عاما والعهد هو العهد والقسم هو القسم .. خمسون عاما وحلم الاستقلال وقيام الدولة العتيدة بات قريبا . وعلى الرغم من احتفال حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) باليوبيل الذهبي على انطلاقتها المباركة والعملاقة , معلنة في الفاتح من يناير من العام 1965 , اندلاع الثورة الفلسطينية المسلحة , وهي سنوات طويلة في عمر الثورات , لكنها ليست طويلة في عمر الشعوب المناضلة , التي تتوق للتحرر والإنعتاق , خاصة في ظل الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني الإحلالي , مثلما تعيش العديد من الشعوب الحرة اليوم , أمثال الجزائر وجنوب إفريقيا وزيمبابوي " روديسيا سابقا " التي خضعت للاحتلال مئات السنين , خمسون عاما هي سنوات تحسب في حياة الإنسان , بالوصول إلى عمر يصبح فيه الإنسان شيخا وجدا , مع استقباله أول الأحفاد تقريبا , يقل ذلك العمر قليلا أو يزيد , غير أن فتح رغم هذا العمر في مقارعة العدو والأنواء والمؤامرات , لم تعجز ولن تشيخ , فهي " أم الولد " ومازالت أما وأبا لكل من تلاها من الفصائل والحركات والأحزاب , وما زالت يافعة تضج بالشباب , وما أدل على ذلك من قرب انعقاد مؤتمرها السابع مع بداية العام الجديد, وتجديد شبابها بانتخاب كوكبة جديدة من الشباب في لجنتها المركزية , ومجلسها الثوري . فتح العصيبة على الانكسار.. فتح الأبية الرافضة لكل شروط التراجع والانهيار , لازالت تحمل راية الثورة والانتصار , رغم كل ما واجهها من محطات منذ انطلاقتا , عند اتهامها بأنها صناعة أميركية غربية , لأنها حملت راية القرار الوطني المستقل , في وجه دعاة " البعث " العربي والقومية العربية والاسلام السياسي , والمتاجرين بالدم الفلسطيني , وبأنها تشق عصا الطاعة على الأمة العربية , بينما هي أعلنت في ميثاقها أنها لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية , ورأت أن النصر والتحرير , هو الذي يعزز الوحدة العربية , وأنها لن تنتظر الوحدة العربية من أجل نصرة القضية وتحرير فلسطين. لقد عبرت " فتح " كل المطبات والمؤامرات بقوة وثبات , فمن أيلول ومحطته السوداء في الأردن, والتي كانت بحق الامتحان الأشبه بكربلاء , إلى معارك الصمود في لبنان من " فتح لاند " في الجنوب , إلى بيروت تل الزعتر وصبرا وشاتيلا , تقارع العدو وتتصدى لمؤامرات الشقيق والصديق , من اقتحام المخيمات في بيروت , إلى الانشقاق في مخيمات طرابلس في نهر البارد والبداوي , ظل القائد الصامد ياسر عرفات , يحث الخطى للعودة إلى أرض الوطن , وعندما اشتد الخطب والعدوان , وكان ما كان في اجتياح لبنان , وخروج الثورة موزعة في هذه الأرض , وفي كل مكان , كان رد القائد الواثق , على كل من سأله إلى أين نحن ذاهبون ؟ فيكون الرد إلى الوطن .. إلى أرض فلسطين عائدون , وأوفى القائد بالوعد والعهد , وعاد ليقارع العدو من داخل الوطن , وهو الذي هاجمه الأشقاء والأصدقاء , واتهموه بالتفريط والتنازل , فكان يرد القول الفصل , أعطوني شبرا من فلسطين كي أعيد لكم الأمل في تحرير باقي الوطن. وصمد القائد ومن معه من فرسان الفتح , على الرغم من جور الأعداء , وعداوة الأشقاء , الذين تحالفوا دون اتفاق , على تدمير ما أنجزه أبو عمار بعد كل اتفاق , وكانت الانتفاضة التي أطلقتها فتح حماية للأقصى والقدس , بعد أن دنسها مجرم صبرا وشاتيلا , أرئيل شارون المقبور , وكان القتل والتدمير , والحصار والدمار, في مواجهة حامل راية النصر والتحرير , وحوصر أبو عمار في مقاطعة العز والفخار , إلى أن طالته يد الغدر الحقير , بوصول السم إلى دم القائد المغوار , الذي لم يخش يوما آلة الاحتلال والدمار , واهتزت الأمة , وانعقدت القمة , لكن دون مروءة وهمة , وبقيت أيها الفلسطيني وحدك تقارع الاحتلال في كل الديار. ورغم الفاجعة التي ألمت بأبناء الفتح , ورغم الصدمة الكبرى التي أعجزت البعض عن التفكير , بعد غياب قائدها المغوار, انتفضت الفتح من جديد , وعادت بكل عزم من جديد , تعيد أمجاد الزمن التليد , وتصنع الفجر الجديد , وقررت الاستمرار بإرادة وتمكين , من أجل القضية وشعب فلسطين , فلا تقاعس ولا تراجع عن الهدف الوحيد , ففلسطين أولا .. وأخيرا فلسطين , وكما قالها القائد الشهيد أبو علي إياد " نموت واقفين ولن نركع " , ورفعها مدوية القائد الرمز أبو عمار , لن أكون أسيرا أو طريدا , بل شهيدا .. شهيدا .. شهيدا , هكذا علمنا قادتنا العظام , أن مهر فلسطين لا يكون غير الدماء , ومقارعة الأعداء , مثلما فعل الشهيد البطل القائد زياد أبو عين , فهذا قدرنا في فتح أن نكون في مقدمة الشهداء , وليس كمن يقاتل للمصالح الحزبية والشخصية وإقامة الاستعراضات والمهرجانات , ولم يعد يهمنا أن نمنع من إقامة احتفال أو مهرجان. في الذكرى الخمسين لانطلاقة المارد الفتحاوي , يواصل أبناء الفتح المشوار , رغم ما اعترى الوطن من انقسام , ومشروع انقلاب على المشروع الوطني , الذي أعلنته فتح على طريق تحقيق النصر والتمكين , من أجل بناء الوطن العتيد , ومهما تكالب الأعداء , وتآمر الإخوة والأشقاء , فأبناء الفتح وأبناء الياسر , على الدرب سائرون , يرددون قول القائد الراحل الشهيد ياسر عرفات , القسم هو القسم , والعهد هو العهد , وإنا لمنتصرون , وللأرض والقدس والأقصى , إنشاء الله محررون.