التوقيع .. القرار الطلقة
افتتح الرئيس أبو مازن العام الخمسين لحركة فتح، بما يليق بها وبتاريخها النضالي الذي تصعب الإحاطة به حتى اللحظة، لشدة تنوعه البطولي الفذ. لا نعني هنا بالطبع احتفال إيقاد الشعلة، على أهمية دلالاته المعنوية، بل نعني توقيع الرئيس على وثيقة الانضمام لعشرين منظمة ومعاهدة دولية، أبرزها محكمة الجنايات الدولية.
إنه التوقيع الذي يؤكد حقيقة فتح الخلاقة التي لا تعرف المستحيل، هذا الذي جعلته ممكنا لحظة الانطلاقة، وهو التوقيع الذي يعكس طبيعة الإرادة الفلسطينية الحرة التي لا تعرف اليأس ولا الإحباط مثلما أكد الرئيس في خطابه ليلة الاحتفال بالذكرى الخمسين لانطلاقة فتح، انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. وبمثل هذا التوقيع، تذهب الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادتها الفتحاوية، إلى مجابهة جديدة مع إسرائيل، إلى معركة سياسية وقانونية هي الأخطر على إسرائيل منذ إنشائها، إذ ستعمل على ألا تبقى إسرائيل فوق القانون الدولي، وستضع تاريخها لأول مرة موضع المساءلة القانونية والأخلاقية.
معلقون ومحللون سياسيون إسرائيليون قالوا إن الرئيس أبو مازن بهذا التوقيع ذهب إلى خياره "النووي"، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لشدة ارتباكه وامتعاضه، هدد بذات العقلية العنصرية وغطرستها، التي دائما ما تحمل الضحية مسؤولية قتلها "أن على الفلسطينيين أن يخشوا أكثر من إسرائيل الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية"..!!
ولم يكن هذا التوقيع التاريخي للرئيس أبو مازن، ردة فعل على فشل مجلس الأمن الدولي في تبني القرار الفلسطيني العربي الذي أراد تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمفاوضات تنهي الاحتلال وفق سقف زمني محدد، وإنما هو قرار وخطوة من خطوات برنامج العمل الوطني، المتفق عليه في الأطر القيادية الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، وبهذا المعنى، فإن المواجهة السياسية مع إسرائيل، مبنية على وضوح في الرؤية والموقف، لأننا "لن نقبل بتهميش قضيتنا تحت ذريعة محاربة الجماعات الإرهابية التكفيرية، والأهم مبينة على الإصرار في المضي قدما فيها نحو انتزاع كافة حقوق شعبنا المشروعة، لأن "الحق يؤخذ ولا يعطى"، والتأكيدات هذه كلها للرئيس أبو مازن في خطابه في الذكرى الخمسين لانطلاقة فتح، وبمثل هذه التأكيدات، نرى فتح كما هي على حقيقتها التي تقتحم الصعب دائما ولا تخشى المواجهة أيا كانت، بل إن لها في اللحظة التاريخية الصعبة، القرار الطلقة، إن صح التعبير، القرار الذي يفتح آفاقا جديدة ودائما نحو فلسطين الحرة المستقلة، وهو اليوم قرار التوقيع التاريخي على وثيقة الانضمام للمنظمات والمعاهدات الدولية العشرين، وهو ليس إلا انضمام الدولة بكل ما في الكلمة من معنى الذي سيكون يوما قريبا في واقعه الجغرافي كاملا في السيادة والاستقلال، وحقا إنها خمسون عاما فتحاوية من كتابة التاريخ الفلسطيني الحديث، خمسون عاما والمسيرة ماضية إلى تحقيق كامل أهدافها العادلة والنبيلة.
كلمة "الحياة الجديدة" - رئيس التحرير