فلسطين في محكمة الجناية الدولية وسط تخوفات تسييسها - د.حنا عيسى
جاء قرار فخامة السيد الرئيس محمود عباس بتشكيل اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة كيان الاحتلال الاسرائيلي لارتكابه جرائم حرب ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني قراراً حكيماً، فمن حق دولة فلسطين بإعتبارها دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة أن ترفع ملف جرائم دولة الاحتلال الاسرائيلي إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التي يكمن اختصاصها على الأفراد فيما يتعلق بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان، لمحاسبة اسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وبانتهاكها قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية".
فقد ارتكبت اسرائيل حروب عدة على قطاع غزة المحاصر منها حرب 2012 (عامود السحاب)، وحرب ديسمبر 2008 (عملية الرصاص المصبوب)، وحرب 2014 (الجرف الصامد)، وراح ضحاياها ما يزيد عن ال 3687 مدني، وهي تندرج تحت بند ما يسمى "جرائم الحرب، وقد سجلت جرائم الاحتلال الاسرائيلي بين عام 48 وحتى 2008، 44 جريمة، ابرزها مذبحة المسجد الاقصى في اكتوبر 1990، (استشهد فيها أكثر من 21 شهيد، وأكثر من 150 جريح، وتم اعتقال 270 مواطن فلسطيني)، ومذبحة الحربم الابراهيمي في فبراير 1994، (استشهاد 29 مصليا في صلاة الفجر، وإصابة أكثر من 150 آخرين، على يد المتطرف اليهودي" باروغ جولدشتاين"، ليرتفع عدد القتلى بعد ذلك إلى أكثر من 50 شهيدا)، ومذبحة دير ياسين في ابريل 1948 (استشهد خلالها 254، وفر أكثر من 30 ألف مواطن فلسطيني)، ومذبحة اللد في يوليو 1948 ، (استشهد خلالها 250 مواطن فلسطين).
وحتى اليوم اسرائيل لم تصادق على نظام محكمة الجنايات، وبالرغم من ذلك فإنها قلقة من إمكانية مقاضاة مستوطنيها وضباطها وجنودها وقادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، لذلك شكّلت طاقما خاصا لتقديم المشورة القضائية لعدد من السياسيين والضباط حول كيفية مواجهة احتمال تقديم دعاوي ضدهم، والحاكم العسكري مناحيم فنكلشتاين بادر إلي إجراء مداولة خاصة في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي حول المحكمة، والمحلل العسكري زئيف شيف اعتبر أنّ محكمة الجنايات الدولية ستكون ساحة صراع دعاوي فلسطينية وعربية ضد إسرائيل، وقال مثلما هو الحال في كل حرب يتوجب أن نعرف كيف نهاجم بسرعة وفي الأماكن الصحيحة، وليس فقط أن نعرف كيف ندافع عن أنفسنا.
ومن ضمن التخوف الاسرائيلي جاء توقع المدعي العسكري العام أنّ ثمة محاولات ستجري لمحاكمة ضباط إسرائيليين كبار كمجرمي حرب، كما وحذّر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية الياكيم روبنشتاين من أنّ المحكمة الجنائية الدولية الجديدة يمكن أن تقدم المستوطنين الإسرائيليين إلي المحاكمة، باعتبار أنّ البناء في المستوطنات يعتبر جريمة حرب، لذلك أعلن الناطق بلسان وزارة العدل الإسرائيلية يعقوب غالانتي أنّ إسرائيل لا تنوي تصديق معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، خشية أن تجد نفسها بين الملاحقين بسبب مواصلة سياسة الاستيطان.
هناك خطر لتسييس المحكمة الجنائية التي يمكن أن تعتبر وجود الإسرائيليين في المناطق جريمة حرب. فاسرائيل تعارض هذه المحكمة ـ أساساـ بسبب الخشية من تعرّض ضباطها وجنودها للمحاكمة جراء تصرفاتهم تجاه الشعب والأرض في فلسطين المحتلة، غير أنها تركز في معارضتها علي اعتبار القانون الدولي المستوطنات جرائم حرب، ولذلك تخشى من تقديم مستوطنيها أو عسكرييها أو ساستها للمحاكمة الجنائية كأفراد علي أساس البناء في المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها القدس وهضبة الجولان السورية المحتلة. فالمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أجرى اتصالات مع منظمات حقوقية إسرائيلية لإقناعها بعدم الوشاية إلى هيئات دولية بأفعال جيش الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين.