كبح الامبراطورية بعاصفة الحزم - موفق مطر
نجح الأشقاء العرب ولأول مرة في تاريخهم الحديث بإظهار (عينهم الحمراء) بوجه وريث ( الأمبراطورية الفارسية ) فهذا اللاعب الاقليمي البترولي – النووي ( ايران ) الزاحف نحو قلب المنطقة الحضارية العربية, تحت راية دولة الولي الفقيه, او ما يسمى ( الثورة الاسلامية ) كان لا بد من كبح جماحه على الأقل, وإضعاف وتيرة اندفاعه, وسيطرته, وتحكمه بمواقع استراتيجية حساسة من منطقتنا العربية, وكشف حقيقة سياسته أمام جماهير عربية, ناصرته بالولاء المذهبي, أو لاعتقادها بصدق شعاراته الثورية, وجديته في تبني مبدأ تحرير القدس وفلسطين.
اهم ما انجزته عاصفة الحزم والأمل بقيادة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية باعتبارهما قطبي التوازن الاستراتيجي العربي ليس تخفيض سقف التكبر والتوغل الايراني المدفوع بقوة الانتماء المذهبي, ومنع ( وريث الامبراطورية الفارسية ) من الاستحكام في مفاصل الوطن العربي, كباب المندب والبحر الأحمر ومضيق هرمز, ليس هذا وحسب رغم اهميته القصوى, بل لعلها تفتح آفاقا جديدة أمام المواطن العربي, للتفكير جديا بإعلاء الانتماء الوطني على حساب الولاء والانتماء المذهبي او الطائفي.
اثبتت عاصفة الحزم للمواطن العربي المدفوع الى دائرة صراعات سياسية او مسلحة على اسس مذهبية كاليمني الحوثي, واللبناني, وكذلك البحريني والسعودي, وغيرهم ممن غرّتهم قوة ايران الناشئة ونفوذها المتعاظم, اثبتت لهم ( العاصفة العربية ) ان الاتكاء والاتكال على قوى اقليمية, أو دول اجنبية, والولاء لها, والعمل على تنفيذ اجنداتها, كالمتكئ والمتوكل على صنم, او (فزاعة الحقل ) ولعلها قد قربت اكثر للمواطنين العرب المأخوذين بمفاهيم وتعاليم المذهبيين والطائفيين أن لا مستقبل لهم في وطنهم, إلا بالانتماء والولاء للوطن, وان الدول الأجنبية, والقوى الاقليمية تستخدمهم كمشاريع استثمارية سياسية, وأدوات تستخدم لمرة واحدة, وقواعد وميادين مناورة واقعية, بالذخيرة الحية, تسفك فيها الدماء الانسانية, وتدمر فيها البنى الاستراتيجية والتحتية, وان هذه القوى ستجني المكاسب مباشرة اذا تحقق النجاح, وتتركهم الى مصير مجهول ان ضعفوا او خسروا معركة التصادم مع الآخر في الوطن, وقد تكشف الايام القادمة عن تحولات فكرية جذرية لدى كثير من المواطنين العرب الموالين ( لإيران ) على اساس مذهبي, وهذا يتطلب حزما وطنيا, وعاصفة ثقافية, متوازية مع الحزم العسكري والأمني, ومحاربة التطرف والتشدد والإرهاب وتجفيف منابعه, وتفكيك حواضنه.
انتصار عاصفة الحزم العربية في اليمن, يعني ابتداء حركة سقوط احجار دومينو ( التشرذم والانقسام ) الجغرافي او السياسي والديني, والمجتمعي في اقطار عربية كليبيا وسوريا والعراق رغم اختلاف اسباب الصراع في كل بلد عن الآخر, فنحن امام بداية تشكل وعي وطني قومي جديد يختلف بمقوماته عما رسخته نظريات ودفاتر الأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية العربية على مدى نصف قرن, فالإنشاء واللغة الثورية لم تعد معيارا لقياس الانتماء والولاء للوطن والأمة العربية وصدق تبني قضيتها المركزية ( قضية فلسطين ), وإنما القدرة على اتخاذ القرار المستقل في اللحظة المناسبة لحماية المصالح العليا للقطر ( الدولة ) وأقطار الوطن العربي، وإثبات المصداقية في تبني قضية فلسطين بالدليل الحسي المادي, عبر عمل عربي مشترك يبدأ من بلورة الأفكار الخلاقة القابلة لتحقيق الحرية والاستقلال التام لفلسطين والدول العربية, وصولا الى مأسسة العمل العربي هذا, وتشكيل مقومات قوته, وتماسكه, ووحدة اهدافه وتوجهاته.
الأهم بالنسبة لنا بقاء فلسطين محور العمل العربي القومي المشترك, وهذا يتطلب تحركا عربيا سياسيا على اعلى المستويات لإعادة تأكيد هذا المبدأ وتثبيته على سلم اولويات القادة العرب, الذين عليهم اقناع ايران بنتائج سياستها ( الهدامة ) فتدخلها المباشر في شؤون بلداننا العربية, ساهم بتقديم صراعات داخلية عربية, وعربية - اقليمية على حساب الصراع مع المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني..فالأمل ما زال قائما بأن تكون ايران قوة الى جانب العرب لمقاومة المشروع الصهيوني وفق رؤيتنا الفلسطينية العربية, وليس قوة ضدهم أو عليهم.